منه على ما قد علم من صيرورة أمره. فاجتمعت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاث خصال : ابتداء الله لإعطائه ما أعطاه من حجة العقل التي ساوى بين العباد فيها في الابتداء لتقوم له بذلك عليهم الحجة في بلوغ أداء فرائضه ، واستدراك معرفته ، والإقرار بوحدانيته ؛ وكرامة الله له وزيادته في ابتدائه بما ابتدأه به على قدر علمه لصيرورة أمره واجتهاده في طاعة ربه ، واقتدائه فيما أمر بالاقتداء به وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، فكملت له صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الثلاث الخصال ، واجتمعت ، والتأمت وتمت مع غيرها من توفيق الله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتسديده وتأييده ومعونته ، فعاد ذلك كله زيادات في عقله ، وصار له حبيبا في كل أمره.
فكيف يلحق به أبو جهل اللعين ، أو يشابهه أو يساويه في شيء من عطاء رب العالمين؟! وأبو جهل فلم يستحق من الله تعالى زيادة في شيء من أمره ، لا بنية صالحة نواها ، ولا بطاعة لله من ذلك أتاها ؛ فيستحق على نيته ابتداء ، وعلى ما ظهر من عمله بالصالحات جزاء ، فلم يكن معه ـ عليه لعنة الله ـ غير ما كان من ابتداء حجة الله المركبة في صدره ، المجعولة في قلبه ؛ لتكمل بها عليه الحجة ، فترك استعمالها ، ورفض النصفة لها ؛ فصار بذلك ظالما لما في صدره من حجج الله ، فاستوجب لمكابرته لحجج الله عذاب الله وسخطه ، وخذلانه ولعنته. فكابر أبو جهل ما زرع في قلبه ، ورفض ما أمر به من أمر ربه ، فاستأهل من الله جزاء سيئ فعله ، وحاق به كسب عمله ، وصار في الضلالة متحيرا ، وفي اللعنة من الله متصيرا ، بما كان له من حجج الله في صدره مكابرا. فلن تستوى حال من كان عند الله مرضيا مهتديا ، وكان له وليا مواليا ؛ وحال من كان مسخوطا عند الله مخيبا ، وله سبحانه عدوا معاديا في كل حال من الحال ، وفي كل قول وفعال. لا يستوي ولي الله وعدو الله عند الله في حالة ، ولا تتقارب منهما عنده منزلة ، لا في ثواب ولا في عطاء ، ولا في زيادة ولا هدى. حال أولياء الله عند الله حال الكرامة والثواب ، وحال أعداء الله عند الله حال الخذلان والعقاب. فالحمد لله الذي ميز بين خلقه ، وصدقهم في ذلك ما أوجب لهم من وعيده ووعده.