الحمد كل مسلم من الأمة عمن كان كذلك اسم العفة ، فبطل بذلك قول من أوجب الحد على مؤمن أو مؤمنة إن كان منه خطأ أو جهلا في قذف كافر أو كافرة.
ثم نظرنا في القول الثاني ، قول من قال إن الحد يجب في قذف الأمة المسلمة بإحصان العفة دون إحصان الحرية ، فإذا بإحصان العفة والإحسان داخل في إحصان الإيمان ، إذ لا يصح عفة إنسان حتى يصح له الإيمان والتقوى ؛ لأن من بان وظهر فساد ظاهره الذي يحكم به عليه لم يشهد له صادق أبدا بصلاح سريرته التي تنسب إليه ، فكان قوله سبحانه الغافلات المؤمنات يجزي عن ذكر العفيفات الصالحات ؛ لأن العفة داخلة في الإيمان ، فكذلك ولذلك أجزى ذكر إحصان الإيمان عن ذكر إحصان العفة والإحسان ، فرجع أصل الإحسان إلى ثلاثة معان في القول والبيان : إلى التزويج ، والحرية ، والإيمان.
ثم نظرنا في معنى إحصان التزويج هل له معنى فيما جعل الله سبحانه من الحد للمقذوفين على القاذفين ، فلم نجد لإحصان التزويج في ذكر حد القذف معنى ؛ لأن الحد للمقذوف على القاذف لازم أبدا كان المقذوف متزوجا أو عزبا ، فزاح بذلك أيضا إحصان ذكر التزويج من الآية التي أوجب الله فيها على القاذفين العقوبة والنكاية ، فلم يبق في حكم الآية وقصصها من الإحصان إلا إحصان الحرية والإيمان ، فكان ذكر الإيمان في الآية قائما بنفسه ، معروفا بعينه ، مستغن بذكر ظاهره عن ذكر باطنة ، وذلك قول الله سبحانه : (الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) ، فاكتفى سبحانه بذكره الإيمان في المؤمنات ، ونسبته إليهن عن ذكرهن بالإحصان ؛ إذ كان الإيمان هو رأس الإحصان ، وبه يكمل للمحصن اسم الإحصان ، فلم يبق في الآية ذكر من ذكر محصنا في الكتاب ، أو مدعي بالإحصان في سبب من الأسباب إلا وقد خرج منها ، وبان بما احتججنا به من الحجة عنها ، ما خلا إحصان الحرية وحده ، فعلمنا أنما جاء في الآية من ذكر الإحصان هو إحصان الحرية دون غيره ، وذلك قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور : ٢٣] ، فكانت هذه الآية مفسرة لقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] ، فبين قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) ذكر الحد على من يجب من