ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] ، لو لا أن لهم مشيئة لم يقل : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) ثم قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧] ، لو لا أن موسى صلى الله عليه علم أن للعالم فيما يريد مشيئة ما قال : (لَوْ شِئْتَ) ، ثم قال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) [النحل : ١٠٧] ، قال : استحبوا هم لأنفسهم ، ثم قال : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) [الحشر : ٩] ، وقال : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] ، وقال : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) [الأنفال : ٦٧] ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٢] ، (يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) [النساء : ٩١].
ثم قال سبحانه : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) [التوبة : ٤٢] ، فرد عليهم رب العالمين : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ٤٢] ، فبين عزوجل أنهم قادرون على الخروج مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي هذا القرآن من هذا النحو كثير.
ثم قال الله عزوجل : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) ، لو لا أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يقدر على أن يحب لم يقل له ربه : (مَنْ أَحْبَبْتَ) ، ثم قال : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦] ، وقال : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) [السجدة : ١٣] ، وقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] ، وقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) [هود : ١١٣] ، وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] ، وقال : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩] ، يعني عزوجل في هذه الآيات كلها وما أشبهها أنه سبحانه لو شاء أن يجبرهم على الإيمان والهدى مشيئة حتم وجبر ويقسرهم عليه لأمكنه ذلك ، وما قدر واحد من خلقه أن يخرج مما حتم عليه وجبره وقسره ؛ إذ كان محمد يعجز عن قسرهم على الإيمان ، فقال له ربه : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) [آل عمران : ٢٠] ، فقد أبلغت وأديت ونصحت ، وعرفتهم بما ينفعهم ، (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، فتريد أن تقتل نفسك : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : ٦] ، يقول : حزنا عليهم وشفقة ، فذرهم : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل : ١٢٧] ، فقال : مما يمكرون ، ولو لا أنهم يقدرون على المكر والخديعة والمعصية ما قال : يمكرون.