يكون العقاب على مخالفته عقابا بلا بيان وقبيحا ، وليس مشرّعا حتى يتعبّد بحكمه بحجّيّة الظنّ وطريقيّته إلى الواقع ، ولا معنى لحكم العقل بذلك ، وما لا يكون بنفسه طريقا إلى الواقع كالظنّ كيف يمكن أن يعطيه العقل صفة الطريقيّة!؟
نعم ، العقل يمكن أن يعرف ويدرك ما أعطاه الشارع صفة الكاشفيّة وجعله طريق الوصول إلى تكاليفه.
وحينئذ إن قلنا بعدم جواز الاحتياط وأنّه ممّا لا يرضى به الشارع وأنّ من المقطوع أنّ بناء الشريعة ليس على الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في جميع الأحكام ، فمع ضمّ سائر المقدّمات العقل يكشف عن أنّ الشارع جعل شيئا طريقا إلى تكاليفه ، وإلّا يكون العقاب على ترك امتثال تكليفه عقابا بلا بيان ، إذ المفروض أنّ المكلّف في هذه الحال لا يمكنه الوصول إليها إلّا بالاحتياط الّذي لا يرضى به الشارع ، وعدم بناء الشريعة على الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي ، وأنّه لم يجعل له طريقا آخر إليها حتى يتبعه ، ثمّ إذا أدرك العقل طريقيّة شيء في نظر الشارع ، فليس هذا إلّا الظنّ ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، ولكنّه لا يرى حجّيّة الظنّ وطريقيّته عند الشارع في هذه الحال مطلقا ، بل بمقدار يكون وافيا بعدّة أحكام لو رجعنا في غيرها إلى الأصول أو الاحتياط ، ما ارتكبنا محذورا.
مثلا : إذا كشف حجّيّة الظنّ الحاصل من الخبر العدل الإماميّ الموثوق الصدور ، فإنّ كان وافيا بمقدار المعلوم بالإجمال ، فهو ، وإن لم يكن وافيا وتحيّر العقل بعد ذلك في حجّيّة شيء آخر أيضا ، فلا بدّ من الاحتياط في البعض ، كالأموال والأعراض والنفوس ، إذ الاحتياط الّذي لا يرضى به الشارع نقطع بأنّه في غير هذه الموارد ، والرجوع إلى الأصل في البعض الآخر لو كان