أمر آخر ، وهو : الجمع بين الترخيصين ، وهو لا يفقد بالتقييد ، لما عرفت من أنّه ترخيص في المعصية عند حصول القيد ، وهو مستحيل على الشارع الحكيم ، وهل يرضى أحد أن يقال : يجوز للشارع أن يحكم بإباحة الزنا إذا علم بأنّ المكلّف يتركه يقينا؟
وبتقريب آخر (١) : أنّ المعلوم بالإجمال إن كان حكما ترخيصيّا ، لا مانع من إلزام الشارع ظاهرا بتركه لمصلحة التحفّظ على الملاك الواقعي بلا فرق بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، ولا بين التعبّد بالأصل التنزيلي ، كالاستصحاب وغيره.
والأوّل : كما إذا علمنا بإباحة أحد الأمرين المشتبهين بالشبهة البدويّة
__________________
(١) أقول : لو سلّم اعتبار احتمال موافقة الحكم الظاهري للواقع ، نقول : إن كان معنى التخيير هو جعل الحكم الظاهري مشروطا بترك الآخر ، يلزم ما في المتن من مخالفته للواقع ، وأمّا لو قلنا بأنّه مجعول في ظرف ترك الآخر على نحو الحينية فلا منافاة ، فإنّه لا منافاة بين المطلقة والحينيّة ، وهي إنّما بين المطلقة والمشروطة. هذا أوّلا.
وثانيا : إذا كان احتمال الموافقة معتبرا ، يلزم عدم جريان الأصل فيما إذا صار أحد الإناءين طاهرا مع سبق النجاسة فيهما ، فإنّه ـ قدسسره ـ يجري الاستصحابين مع أنّ الحكم بنجاسة كليهما ظاهرا ينافي الواقع من طهارة أحدهما.
وثالثا : أنّ احتمال الموافقة ليس عليه آية ولا رواية ، وإنّما وجهه هو لزوم التضادّ من حيث المنتهى كما أشار إليه في المتن ، وهو لا يلزم فيما نحن فيه ، لأنّ الحكم الظاهري المجعول لهذا الإناء هو الّذي يكون موضوعا لحكم العقل ، فإنّ حكمه الواقعي مجعول على الفرض وهكذا بالنسبة إلى الإناء الآخر.
فتحصّل أنّ التضادّ بين الحكم الظاهري والواقعي على فرض وجوده منتف في جميع المراحل لا تضادّ بينهما ذاتا ولا من حيث المبدأ ولا المنتهى.
فتحصّل أنّ جعل الحكم الظاهري تخييرا لا إشكال فيه من ناحية عدم موافقته للواقع.
نعم ، هذا النحو من الجعل غير متعارف ولا عرفيّة له. فالإشكال الأساسي هو لزوم الترخيص في المعصية عند ترك الكلّ بناء على الاشتراط ، وأمّا عدم موافقة الحكم الظاهري للواقع فلا إشكال فيه. (م).