الكفر ، وظلمة الجهل ، وظلمة الأخلاق السيئة ﴿إِلَى النُّورِ﴾ نور العلم ، ونور الايمان في الدنيا ، ونور الرحمة والمغفرة والرضوان في الآخرة ﴿وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ لا يرضى بضلالكم وحرمانكم من الخيرات الدنيوية والاخروية ، بل يحبّ أن يهديكم إلى الكمالات النفسانية والمقامات العالية العلمية والأخلاقية في الدنيا ، والدرجات العالية في الجنّة والنّعم الدائمة في الآخرة.
ثمّ لا مهم سبحانه على ترك الانفاق في سبيله مع كثرة فوائده الدنيوية والاخروية بقوله : ﴿وَما لَكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ، وأيّ عذر تتصوّرون في ﴿أَلَّا تُنْفِقُوا﴾ ولا تصرفوا بعض أموالكم التي هي في الواقع ليست لكم ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وتحصيل مرضاته ، ﴿وَ﴾ الحال أنّ ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ﴿مِيراثُ﴾ أهل ﴿السَّماواتِ وَ﴾ أهل ﴿الْأَرْضِ﴾ بعد موتهم ، فانّه ينتقل بموتهم جميع ما في أيديهم إلى الله ، فإذا علم أنّه لا تبقى هذه الأموال في ملككم وتحت تصرّفكم ، بل تخرج من أيديكم لا محالة بالموت ، كان إخراجها بالانفاق الموجب للمدح والثواب العظيم خير في حكم العقل والعقلاء من ترك الانفاق وإبقائها حتّى تخرج قهرا من ملككم بالموت فتستحقّون اللعن والعقاب ، أو المراد إنّ أمركم بالانفاق ليس لحاجة الله إلى أموالكم ، فانّ لله جميع ما لأهل السماوات والأرض ، ينقل إليه بموتهم ، أوله ما يرثونه من الأموال في زمان حياتهم ، وإنّما يأمركم بالانفاق لحاجتكم إليه في الآخرة ، وكون فوائده لكم.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه وجوب الانفاق وفضيلته ، بيّن أفضلية المبادرة إليه حين ضعف الاسلام بقوله : ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون في الفضيلة ﴿مَنْ أَنْفَقَ﴾ من أمواله في سبيل الله ونصرة دين الاسلام ﴿مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ قيل : يعني فتح مكة (١) . وقيل : فتح الحديبية (٢)﴿وَ﴾ من ﴿قاتَلَ﴾ أعداء الله ، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتلهم ﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنون المنفقون والمقاتلون من قبل الفتح ، وفي زمان ضعف الاسلام ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ وأرفع منزلة ، وأعلى رتبة عند الله في الدنيا والآخرة ﴿مَنْ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا﴾ وجاهدوا بأنفسهم في حال قوة الاسلام وكثرة المسلمين ﴿وَكُلًّا﴾ من الفريقين ﴿وَعَدَ اللهِ﴾ المثوبة ﴿الْحُسْنى﴾ والدرجة العليا في الجنّة.
ثمّ لمّا كان الوفاء بالوعد موقوفا على العلم بالأعمال وخصوصياتها ، أخبر سبحانه بعلمه بجميع أعمال العباد بقوله : ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال ظاهرة وباطنة ومزاياه وخصوصياته ﴿خَبِيرٌ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢١٨ ، مجمع البيان ٩ : ٣٥٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٦.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٥٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٦.