لحم الأخ الميت لا يؤلمه أيضا ، مع أنّه في غاية القبح (١) ، لكونه في غاية البعد عن رعاية حقّ الأخوة(٢).
وفي الآية والروايات دلالة واضحة على كونها من الكبائر ، ولذا أكّد سبحانه حرمتها بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروا عقابه في ارتكابها.
ثمّ حثّ سبحانه على التوبة منها بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ﴾ سريع القبول لتوبة التائبين ممّا فرط منهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بمن اتقّى ما نهى عنه ، ومتفضّل عليه بالثواب.
روى بعض العامة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا عزا أو سافر ، ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدّمهما إلى المنزل ، فيهييء لهما طعامهما وشرابهما ، فضّم سلمان إلى رجلين في بعض أسفاره ، فتقدّم سلمان إلى المنزل ، فغلبته عيناه ، فلم يهيّىء لهما شيئا ، فلمّا قدما قالا له : ما صنعت شيئا ؟ قال : لا ، غلبتني عيناي. قالا له : انطلق إلى رسول الله واسأله طعاما. فقال صلىاللهعليهوآله : « انطلق إلى اسامة بن زيد ، وقل له إن كان عنده فضل من الطعام فليعطك » وكان اسامة خازن رسول الله على رحله وطعامه ، فأتاه فقال له اسامة : ما عندي شيء ، فرجع سلمان إلى الرجلين فأخبرهما ، فقالا : كان عند اسامة شيء ، ولكن بخل به ، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة ، فلم يجد عندهم شيئا ، فلمّا رجع قالوا : لو بعثناه إلى بئر سميحة (٣) لغار ماؤها ثمّ انطلقا إلى اسامة يتجسّسان هل عنده ما أمر لهما به رسول الله صلىاللهعليهوآله من الطعام ، فلمّا جاءا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لهما : « ما لي أرى خرة اللحم في أفواهكما ؟ » قالوا : والله يا رسول الله ، ما تناولنا يومنا هذا لحما ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « ظللتما تأكلان لحم اسامة وسلمان » فأنزل الله الآية (٤) .
وقد عيّن الرجلين في رواية ( الجوامع ) فانّه روى أنّ أبا بكر وعمر بعثا سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ليأتي لهما بطعام ، فبعثه إلى اسامة بن زيد ، وكان خازن رسول الله صلىاللهعليهوآله على رحله ، فقال : ما عندي فعاد إليهما فقالا : بخل اسامة ، ولو بعثنا سلمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثمّ انطلقا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لهما : « ما لي أرى خضرة اللّحم في أفواهكما » قالا : يا رسول الله ، ما تناولنا اليوم لحما. قال : « ظللتم تفكّهون لحم سلمان واسامة » فنزلت (٥) .
وعن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هم الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في
__________________
(١) في النسخة : الفتح.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ / ١٣٥.
(٣) سميحة : بئر بالمدينة غزيرة الماء.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٨٨.
(٥) جوامع الجامع : ٤٥٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٤.