وروى الفخر الرازي عن كثير من مفسري العامة ، عن ابن عباس : أنّ المسلمين نهوا عن مناجاة النبي صلىاللهعليهوآله حتّى يتصدّقوا ، فلم يناجه أحد إلّا علي عليهالسلام تصدّق بدينار ، ثمّ نزلت الرّخصة (١) .
ورووا عن عبد الله بن عمر أنّه قال : كان لعلي عليهالسلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إلي من حمر النّعم : تزويجه فاطمة عليهاالسلام ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى (٢) .
في ردّ قول القاضي وبيان فساد قول الفخر الرازي
وقال القاضي أبو بكر : والأكثر في الروايات أنّه تفرّد بالتصدّق قبل مناجاته ، ثمّ ورد النسخ ، وإن كان قد روي أيضا أنّ أفاضل الصحابة وجدوا الوقت وما فعلوا ذلك (٣) .
والعجب إنّه لتوغّله في الضلال ، وتعصّبه لمذهبه الباطل ، تردّد فيما اتفقت عليه روايات العامة والخاصة من إطاعة عليّ عليهالسلام أمر الله وعصيان مشايخه وأئمّته ، وهمّ بدفع الطعن عنهم بقوله : « وإن ثبت أنّه اختصّ بذلك ، فلأنّ الوقت لم يتّسع لهذا الفرض ، وإلّا فلا شبهة أنّ أكابر الصحابة لا يقعدون عن مثله » (٤) .
أقول : فيه أنّ دعوى ضيق الوقت بعد رواياتهم بأن الحكم كان باقيا عشرة أيام ممّا تضحك به الثكلى ، وأمّا أفاضل الصحابة كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة وأضرابهم ، كانوا لفقرهم خارجين عن هذا الحكم بقوله : ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ ما تتصدّقون به لا يجب عليكم ﴿فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ للمذنبين ﴿رَحِيمٌ﴾ بالمؤمنين ، لا يكلّفهم بما لا يطيقون.
والحاصل إنّ أفاضل الصحابة الذين اتفقنا على فضلهم وخلوص إيمانهم كانوا فقراء غير متمكّنين من التصدّق ، وأمّا غيرهم فقد بخلوا بالتصدّق لعدم اشتياقهم إلى صحبة النبي صلىاللهعليهوآله ومناجاته ولم يسو عندهم صحبة النبي صلىاللهعليهوآله بدرهم ، ولذا صار تركهم الصدقة من أكبر المطاعن عليهم ، وتصدّق أمير المؤمنين عليهالسلام بعشرة دراهم من أعظم فضائله ، ولا يصغى إلى قول القاضي بأن الصحابة ما وجدوا الوقت(٥) .
وبذلك يظهر فساد ما ذكره الفخر الرازي من أنّه على تقدير أنّ الصحابة وجدوا الوقت ولم يفعلوا ، فهذا لا يجرّ إليهم طعنا ؛ لأنّ ذلك الإقدام على هذا العمل ممّا يضيق به قلب الفقير ، فانّه لا يقدر على مثله فيضيق قلبه ، ويوحش قلب الغنيّ ، فانّه لمّا لم يفعل الغني وفعله غيره ، صار ذلك الفعل سببا للطعن فيمن لم يفعل ، فهذا الفعل لمّا كان سببا لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء ، لم يكن في تركه كبير
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٧١ و٢٧٢.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٦.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٧٢.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٧٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٧٢.