آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما
أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩) و (١٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ النهي عن تولّي عتاة المشركين والكفّار بقوله : ﴿إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ﴾ ويمنعكم أيّها المؤمنون ﴿عَنِ﴾ الكفار ﴿الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ ونازلوكم لإطفاء نوره ﴿وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ﴾ وأوطانكم كجبابرة أهل مكّة ﴿وَظاهَرُوا﴾ وعاونوا قريشا ﴿عَلى إِخْراجِكُمْ﴾ من مكّة عن ﴿أَنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾ وتوادّوهم ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ﴾ ويتودّد معهم ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم بعصيان الله وبوضع الودّ موضع العداوة.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حكم معاملة المؤمنين مع الفريقين من الكفّار ، بيّن سبحانه حكم النساء اللاتي يأتين المؤمنين مظهرات للايمان بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ﴾ النساء اللاتي يدّعين أنّهن ﴿الْمُؤْمِناتُ﴾ بألسنتهنّ حال كونهنّ ﴿مُهاجِراتٍ﴾ إليكم من أوطانهنّ ، ولم تعلموا صدقهنّ في دعوى الايمان ﴿فَامْتَحِنُوهُنَ﴾ واختبروهن ﴿اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ﴾ الحقيقي ، لعلمه بسرائر الخلق ، وأنتم لا تعلمون إلّا بالأمارات والامتحان.
قيل : إنّ من أرادت منهنّ إضرار زوجها قالت : ساهاجر إلى محمد (١) .
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقول للتي يمتحنها : « بالله الذي لا إله إلّا هو ، ما خرجت عن بغض زوجي ، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت حبّا لرجل من المسلمين ، بالله ما خرجت لحدث احدثه ، بالله ما خرجت إلّا رغبة في الاسلام وحبّا لله ولرسوله » (٢) .
﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ﴾ بعد الامتحان ﴿مُؤْمِناتٍ﴾ صادقات في دعوى الايمان ﴿فَلا تَرْجِعُوهُنَ﴾ ولا تردّوهن ﴿إِلَى﴾ أزواجهن من ﴿الْكُفَّارِ﴾ لأنّه ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ﴾ لانقطاع علقة الزوجية بينهما بالإيمان ﴿وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ﴾ لوضوح ارتفاع الزوجية من الجانبين لا من جانب واحد.
وقيل : إنّ الجملة الاولى لبيان زوال النكاح الأول ، والثانية لبيان امتناع النكاح الجديد (٣) ، أو للتأكيد ، وأعطو أزواجهنّ الكفرة (٤)﴿وَآتُوهُمْ﴾ من مال المؤمنات ، أو من بيت المال ﴿ما أَنْفَقُوا﴾ عليهنّ ودفعوا إليهنّ من المهور.
روي أنّ صلح الحديبية كان على أنّ من أتى المسلمين من الكفّار ردّوه إليهم ، فجاءت سبيعة بنت
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٠٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٨٢.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٤٨٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٠٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٨٣.