يَخافُ عُقْباها (١٥)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المكذبين للرسول ببيان تكذيب ثمود رسولهم وابتلائهم بالعذاب بقوله : ﴿كَذَّبَتْ﴾ قبيلة يقال لها ﴿ثَمُودُ﴾ رسولهم صالح ﴿بِطَغْواها﴾ وبسبب عتوّها على الله ، أو المعنى كذّبت بما أوعدهم الرسول من عذاب ذي طغيان كما قال الله تعالى : ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾.
﴿إِذِ انْبَعَثَ﴾ وحين أسرع في طاعة رؤسائها قدار الذي هو ﴿أَشْقاها﴾ وأخبثها وأطغاها في عقر الناقة ﴿فَقالَ لَهُمْ﴾ صالح ﴿رَسُولُ اللهِ﴾ عليهالسلام : يا قوم احذروا أن تؤذوا ﴿ناقَةَ اللهِ﴾ التي هي من آياته ، واحذروا أن تمنعوها ﴿وَسُقْياها﴾ ومشربها ، فإن مسستموها بسوء يأخذكم عذاب قريب ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ فيما أوعدهم به من العذاب ﴿فَعَقَرُوها﴾ وضربوا رجلها بالسيف وقتلوها.
روى بعض العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال لعلي : « يا على أتدري من أشقى الأولين ؟ » قال : الله ورسوله أعلم ، قال : « عاقر الناقة » قال : « أتدري من أشقى الآخرين » ، قال : « الله ورسوله أعلم » قال : « قاتلك » (١) .
﴿فَدَمْدَمَ﴾ واطبق ﴿عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ العذاب ، وأهلك جميعهم بالصيحة الهائلة ، أو الزلزلة ﴿بِذَنْبِهِمْ﴾ وبسبب عصيانهم بتكذيب الرسول وعقر الناقة ﴿فَسَوَّاها﴾ قيل : إنّ الضمير راجع إلى الدمدمة ، والمعنى : فعمّتهم الدمدمة (٢) . وقيل : راجع إلى الأرض ، والمعنى : فسوّى عليهم الأرض بأن أهلكهم فجعلهم تحت التّراب (٣) ﴿وَلا يَخافُ﴾ الله بالدمدمة عليهم ﴿عُقْباها﴾ وتبعتها لأنّها كانت باستحقاقهم والعمل بالحكمة.
وقيل : هذا الكلام لبيان تحقير إهلاكهم ، والمعنى أنّه أهون من أن تخشى فيه عاقبة الأمر (٤) .
وقيل : إنّ المعنى لا يخاف قدار الأشقى فيما أقدم من عقر الناقة عقبها وتبعة سوئها ، بل كان آمنا من الهلاك ففعل مع الخوف الشديد فعل من لا خوف له ، وفيه دلالة على غاية حمقه ، وعلى هذا التفسير تكون الآية في حكم المتقدّم ، كأنّه قال : إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها (٥) .
روي أنّ صالحا لمّا وعدهم بالعذاب بعد ثلاث ، قال الذين عقروا الناقة : هلمّوا فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا عجّلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا ألحقناه بتاقته (٦) فأتوه ليقتلوه فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلمّا أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح ، فوجدوهم قد رضحوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثمّ همّوا به ، فقامت عشيرته دونه (٧) ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه ، قد وعدكم أنّ العذاب
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٤٦.
(٢و٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٩٥ و١٩٦.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣١ : ١٩٦.
(٦) في النسخة : بناقة.
(٧) في النسخة : دونها.