قوله ، وصرفت بصري حتى دخل الفراش ، فلمّا دخلت معه الفراش إذا بيني وبينه ثوب ، والله ما أدخلته فراشي ، فاذا هو في غاية اللين وطيب الرائحة ، كأنّه غمس في المسك فجهدت لأنظر إلى جسده ، فما كنت أرى شيئا ، وكثيرا ما كنت افتقده من فراشي ، فاذا قمت لطلبه ناداني : « [ ها ] أنا يا عمّ » فأرجع ، ولقد كنت كثيرا ما أسمع منه كلاما يعجبني ، وذلك عند مضيّ بعض الليل ، وكنّا لا نسمّي على الطعام والشراب ، ولا نحمد بعده ، وكان يقول في أوّل الطعام : بسم الله الأحد ، فاذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله ، فتعجّبت منه ، ثمّ لم أر منه كذبة ولا ضحكا ولا جاهلية ، ولا وقف مع صبيان يلعبون(١) .
سئل الصادق عليهالسلام : لم أوتم النبي صلىاللهعليهوآله عن أبويه ؟ فقال : « لأن لا يكون لمخلوق عليه حقّ » (٢) .
أقول : يعني الحقّ العظيم الذي يكون تالي حقّ الله.
وقيل : إنّ المراد باليتيم الفريد في الفضل والعزّ عديم النظير في قريش ، أو في البشر ، فآواك وجعل لك من تأوى إليه وهو أبو طالب.
وفي ( الكشاف ) : ومن بدائع التفسير أنّه من قوله : درّة يتيمة ، والمعنى ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير ، أي في العزّ والشرف ، فآواك في دار أعدائك ، فكنت بين القوم معصوما محروسا(٣).
وعن العياشي عن الرضا عليهالسلام : « ﴿ يَتِيماً﴾ فردا لا مثل لك في المخلوقين ﴿فَآوى﴾ الناس إليك » (٤) .
وفي ( العيون ) عنه ما يقرب منه (٥) .
﴿وَوَجَدَكَ﴾ ورأك ﴿ضَالًّا﴾ عن معالم النبوة وأحكام الشريعة ، غافلا عنها ﴿فَهَدى﴾ إليها ، كما عن ابن عباس (٦) .
وقيل : يعني ضالا عن النبوة ، يعني ما كنت تطمعها فهداك الله إليها (٧) .
وقيل : يعني وجدك خاليا عن العلم والمعارف في بدو خلقتك ، فهداك بأن أعطاك العقل الكامل والمعرفة الكاملة (٨) .
وقيل : يعني وجدك راغبا إلى فعال الجاهلية فهداك وحال بينك وبينها (٩) .
روي عن علي عليهالسلام أنّه قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما هممت بشيء ممّا كان أهل الجاهلية يعملون به غير
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ٢١٤.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٧٦٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤٢.
(٣) الكشاف ٤ : ٧٦٧ « نحوه » ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٥٧.
(٤) مجمع البيان ١٠ : ٧٦٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤١.
(٥) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٩٩ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤١.
(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٢١٥ و٢١٦.
(٧و٨) تفسير الرازي ٣١ : ٢١٥ و٢١٦.
(٩) تفسير الرازي ٣١ : ٢١٧.