وقيل : يعني ارفع يديك عقيب الدعاء إلى نحرك (١) . وقيل : يعني اقعد بين السجدتين حتى يبدوا نحرك (٢) ، وهذه الأقوال كلّها متّفقة على أنّ النحر بمعنى الصدر.
وعن الصادق عليهالسلام : « هو رفع اليدين حذاء وجهك » (٣) . [ وفي رواية ] فقال بيده هكذا ، يعني استقبل بيده حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عنه فقال : « النحر الاعتدال في القامة بأن يقيم صلبه ونحره » (٥) .
ثمّ إنه تعالى بعد إظهار غاية لطفه بحبيبه ، ردّ طعن المشركين عليه بأنّه أبتر بقوله : ﴿إِنَّ شانِئَكَ﴾ يا محمد ومبغضك ﴿هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ ومنقطع النسل. روي أنّ العاص بن وائل كان يقول بعد موت عبد الله بن رسول الله من خديجة : إنّ محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده ، فاذا مات انقطع ذكره واسترحتم ، كما عن ابن عباس وعامة المفسرين على ما قيل (٦) .
وعن السّدّي : لمّا مات ابنه القاسم وعبد الله بمكّة ، وإبراهيم بالمدينة ، كانت قريش يقولون : إنّ محمدا ابتر ليس له من يقوم مقامه ، فأخبر الله أنّ عدوه أبتر ، ومن معجزات النبيّ صلىاللهعليهوآله حيث نرى أنّ نسل اولئك الكفّار قد انقطع ، ونسله عليهالسلام يزداد وينمو كلّ يوم إلى يوم القيامة (٧) .
وقيل : إنّها نزلت في أبي جهل ، فانّه لمّا مات ابن رسول الله قال أبو جهل : إني ابغضه لأنّه أبتر(٨) .
وقيل : نزلت في عمّه أبي لهب ، فانّه لمّا شافهه بقوله : تبا لك ، كان يقول في غيبته : إنّه أبتر(٩).
وقيل : نزلت في عقبة بن أبي معيط ، وإنّه هو الذي كان يقول ذلك (١٠) .
وقيل : إنّ الأبتر هو المنقطع عن قومه (١١) ، قيل : لمّا أوحى الله إلى رسوله ودعا قريشا إلى الاسلام قالوا : أبتر محمد ، أي خالفنا وانقطع عنّا (١٢) .
وعن ابن عباس : لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة أتاه جماعة من قريش ، فقالوا : نحن أهل السّقاية والسّدانة ، وأنت سيد أهل المدينة ، أفنحن خير أم هذا الأبتر من قومه ، يزعم أنه خير منّا ؟ ! فقال : بل أنتم خير منه ، فنزل ﴿إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(١٣) .
وقيل : إن المراد بالأبتر هنا المنقطع عن المقصود قبل بلوغه ، فأجابهم الله تعالى أنّ خصمه هو الذي يكون كذلك ، فانّهم صاروا مدبرين مغلوبين مقهورين ، وصارت رايات الاسلام عالية وأهل الشرق
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٥.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٩.
( ٣ - ٥ ) مجمع البيان ١٠ : ٨٣٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٣.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٢ ، وعن مقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير.
( ٧ - ١١ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٣.
( ١٢ و ١٣ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٢.