وتجهّز رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المسير لمكّة.
ثمّ روي أنّ سارة مولاة بني هاشم أتت المدينة ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : جئت مسلمة ؟ » قالت : لا ، لكن كنتم الموالي ولي حاجة. فحثّ عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله بني عبد المطّلب فكسوها وحملوها وزوّدوها ، فأتاها حاطب بن أبي بلعتة بعشرة دنانير ، واستحملها كتابا إلى مكّة نسخته : اعلموا أنّ رسول الله يريدكم ، فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ، فنزل جبرئيل بالخبر ، فبعث رسول الله عليا عليهالسلام وعمارا في جماعة أمرهم أن يأخذوا الكتاب ، وإلّا فاضربوا عنقها. فلمّا أدركوها جحدت وحلفت ، فسلّ عليّ سيفه ، وقال : والله ما كذّبنا ، فأخرجته من عقيصة شعرها ، واستحضر النبي صلىاللهعليهوآله حاطبا ، وقال : « وما حملك عليه ؟ » فقال : والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا أجبتهم منذ فارقتهم ، ولكن كنت غريبا في قريش ، وكلّ من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم ، فخشيت على أهلي ، فأردت أن اتّخذ عندهم يدا.
فقال عمر : دعني - يا رسول الله - أضرب عنق هذا المنافق. فقال : « وما يدريك - يا عمر - لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » فغاضت عينا عمر.
أقول : لا يخفى ما فيه من الطعن على عمر.
ثمّ خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ نزل بمرّ الظّهران ، وقدم العباس عمّ النبي مع أبي سفيان إليه فاستأذناه ، فأذن لعمّه خاصّة ، فقال أبو سفيان : إمّا أن تأذن لي ، وإلّا أذهب بولدي إلى المفازة فيموت جوعا وعطشا ؛ فرقّ قلبه الشريف ، فأذن له ، وقال له : « ألم يأن أن تسلم وتوحّد ؟ » فقال : أظنّ أنّه واحد ، ولو كان هاهنا غير الله لنصرنا. فقال له : « ألم يأن أن تعرف أنّي رسول الله ؟ » فقال : إنّ لي شكّا في ذلك. فقال العباس : أسلم قبل أن يقتلك عمر ، فقال : وما أصنع بالعزّ ؟ فقال عمر : لو لا أنّك بين يدي رسول الله لضربت عنقك.
فقال : يا محمد ، أ ليس الاولى أن تترك هؤلاء الأوباش وتصالح قومك وعشيرتك ، فسكّان مكة عشيرتك وأقاربك وتعرّضهم للشنّ والغارة ؟
فقال رسول الله : « هؤلاء نصروني وأعانوني وذبّوا عن حريمي ، وأهل مكة أخرجوني وظلموني ، فان اسروا فبسوء صنيعهم » .
وأمر العباس بأن يذهب به ، ويوقفه على المرصاد ليطالع العسكر ، فكانت الكتيبة تمرّ عليه فيقول : من هذا ؟ فيقول العباس : هو فلان من امراء الجند والعسكر ، إلى أن جاءت الكتيبة الخضراء التي لا يرى منها إلّا الحدق قال من هم ؟ فقال العباس ، هذا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : لقد اوتي ابن أخيك ملكا