عظيما ! فقال العباس : هو النبوة. فقال : هيهات النبوة.
ثمّ تقدّم رجل ودخل مكة وقال : إنّ محمدا جاء بعسكر لا يطيقه أحد ، فصاحت هند وقالت : اقتلوا هذا المبشّر ، وأخذت بلحيته ، فصاح الرجل فدفعها عن نفسه ، فلمّا سمع أبو سفيان أذان القوم للفجر ، وكانوا عشرة آلاف فزع لذلك فزعا شديدا ، وسأل العباس ، فأخبره بأمر الصلاة ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة على راحلته ، ولحيته على قربوس سرجه كالساجد تواضعا وشكرا ، ثمّ التمس أبو سفيان الأمان ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن » فقال أبو سفيان : ومن تسع داري ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « من دخل المسجد فهو آمن » فقال أبو سفيان : ومن يسع المسجد. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن » .
ثمّ وقف رسول الله على باب المسجد ، وقال : لا إله إلّا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب جنده ، أو وحده » ثمّ قال : « يا أهل مكّة ، فما ترون أنّي فاعل بكم ؟ » فقالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال : « اذهبوا فأنتم الطّلقاء » (١) .
ثمّ إن القوم بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله على الاسلام ، فصاروا يدخلون في دين الله أفواجا.
ثمّ اعلم أنّ فتح مكة كان في سنة ثمان من الهجرة ، وقال بعض مفسّري العامة : إنّ السورة نزلت قبل الفتح (٢) ، فيكون ما فيها إخبارا بالغيب ، ودليلا على صحّة النبوة ، وقال بعض : إنّها نزلت في سنة عشرة (٣) .
ورووا عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : « لمّا نزلت هذه السورة مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخرج إلى الناس فخطبهم وودعهم ، ثمّ دخل المنزل فتوفّي بعد أيام » (٤) .
وروي أنّه دعا فاطمة عليهاالسلام فقال : يا بنتاه إنّي نعيت إليّ نفسي » فبكت فقال : « لا تبكي ، فانّك أول أهلي لحوقا بي » فضحكت (٥) .
وعن ابن مسعود : أنّ هذه السورة تسمّى سورة التوديع لما فيها من الدلالة على توديع الدنيا (٦) .
وقيل : إنّ المراد بالفتح فتح خيبر (٧) وقيل : إنّه فتح الطائف (٨) . وقيل : إنّه فتح بلاد الشرك على الاطلاق (٩) ، ويدلّ على كون المراد فتح مكّة تعريفه بلام العهد ، فانّ المعهود عندهم هو ذلك الفتح ، وإنّ الناس قبل فتح مكة كانوا يدخلون في الاسلام واحدا بعد واحد واثنين اثنين ، والله سبحانه قرن
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٣.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٥ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٢٠٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٥.
( ٤ - ٦ ) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣١.
( ٧ - ٩ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٥.