فجمعهم إسحاق الخزاعي وعرض عليهم ما أمر به المأمون ، فقال الجميع بخلق القرآن إلّاأربعة هم : أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح والقواريري وسجّادة! فشدّهم بالحديد ثمّ سألهم فأجاب القواريري وأجابت سجّادة بخلق القرآن فأطلقهما ، وأصرّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فوجّههما إلى طرطوس.
ثمّ ورد كتاب المأمون يقول : بلغني أنّ بشر بن الوليد وجماعة معه إنما أجابوا بتأويل الآية الكريمة : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (١)) وقد أخطؤوا التأويل ، فإنّ الله تعالى عنى بهذه من كان معتقداً للإيمان مظهراً للشرك ، فأما من كان معتقداً للشرك! مظهراً للإيمان فليس هذا له ، فأشخصهم إلى طرطوس ليقيموا بها إلى أن يخرج أمير المؤمنين من بلاد الروم. فأرسلهم (٢).
غزو المأمون الروم رابعة :
قال اليعقوبي : استعد المأمون لحصار عمورية وقال : آتي بالعرب من البوادي فانزلهم كلّ بلد ، افتتحه حتى أضرب إلى القسطنطينية! لسنة (٢١٨ ه).
وبلغ ذلك إلى ملك الروم توفيل بن ميخائيل ، فأتاه رسوله يدعوه إلى أن يدفع إليه الأسرى المسلمين الذين عنده (سبعة آلاف) فيصالحه أو يهادنه ، فلم يقبل (٣).
وقال المسعودي : عمد إلى سائر حصون الروم فخيّرهم بين الإسلام أو الجزية أو السيف ، فأجابه خلق منهم إلى الجزية ، وذلّل بذلك النصرانية.
فلما نزل البدندون جاءه رسول ملك الروم فقال له : إنّ الملك يخيّرك بين أن يردّ عليك نفقتك التي أنفقتها من بلدك إلى هذا الموضع ، وبين أن يُخرج لك كل
__________________
(١) النحل : ١٠٦.
(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٠ ، ٢١١.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٦٩.