وعند السحر ارتفعت من معسكره نار عظيمة ظننا أنه يريد معاودة الحرب ، وإذا هو قد ضرب ثقله بالنار لكثرة ثقله وقلة مركوبه ، ثمّ ارتحل من معسكره صباحاً إلى ناحية رحبة مالك ، فصار إليها فافتتحها عنوة ثمّ افتتح قرقيسا ، ثمّ بثّ منهما السوارب إلى النواحي : منها سرية إلى كفرتوثا ورأس العين ونصيبين ، فأوقعوا بالأعراب من تغلب والنَمِر وأهل الحضر أيضاً. ووجه بسريّة في ألفين إلى الرَقّة على بُعد ثلاثين فرسخاً من الرحبة ، وذلك في أواخر جمادى الأُولى سنة (٣١٦ ه) وكان أمير الرقّة نجم غلام جني الصفواني ، فصافا القتال مع سرايا القرمطي ثلاثة أيام حتى أُصيب عدة من الفريقين ثمّ عادوا عنهم إلى الرقّة.
وأقام القرمطي بالرحبة سبعة أشهر ، فلمّا عاد إليه هؤلاء سار بهم من الرحبة إلى بلده الأحساء لآخر رجب أو أول شعبان سنة (٣١٦ ه) وقد حصل في هذه المدة على سفن فحملهم برّاً وفي الماء حتى نزل على هيت ثانية فقاتلهم في البرّ والماء قتالاً شديداً ، ثمّ انحدر عنهم إلى الكوفة والقادسية ، وامتارَ ثمّ مرّ من ظهر البصرة إلى بلاده الأحساء في آخر المحرم أو أول صفر سنة (٣١٧ ه) (١).
جرائم القرامطة في مكة :
كان على مكة في سنة (٣١٧ ه) محمد بن إسماعيل ابن مخلَّب ، وسار إليها القرمطي لموسم الحج في ستمئة فارس وتسعمئة راجل حتى دخلها بيوم قبل يوم التروية ، وكان على قتالها نظيف مولى ابن أبي الساج وغيره من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحاج وغيرهم ، فصافّوه للقتال ولمّا قُتل نظيف انكشفوا عنه
__________________
(١) التنبيه والإشراف : ٣٣٢ ـ ٣٣٤.