حُنين بن إسحاق طبيب المتوكل :
ذكر ابن العبري : أنّ قوماً من نصارى العرب قُبيل الإسلام من قبائل شتى أخذوا يبنون بيوتهم بظهر الحيرة مجتمعين منفردين عنها ودُعوا بالعباديين. منهم صيدلاني (١) بالحيرة اسمه إسحاق ، وله ولد اسمه حُنين (٢).
فلمّا عمرت بغداد واشتهر بها يوحنّا بن ماسويه النصراني بالطب رحل إليه حُنين وجعل يخدمه ويقرأ عليه وكان كثير السؤال ، فغضب يوحنّا عليه يوماً وقال له : ما لأهل الحيرة والطب؟! امرق وارتزق على الطرق ببيع الفلوس (دواء) كشغل أبيه بالحيرة! فأخرجه باكياً ، فعزم على تعلّم اليونانية ليقرأ كتب الطب اليوناني ، فتوجّه إلى بلاد الروم وأقام بها عامين حتّى أحكم اليونانية! فعاد إلى بغداد ، ومن بغداد إلى البصرة فلزم الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري حتّى برع في العربية! ثمّ عاد إلى بغداد. فتوصّل للترجمة إلى جبرئيل بن بَختيشوع ، قال الطبيب يوسف : دخلت يوماً على جبرئيل بن بَختيشوع فوجدت حنيناً قد ترجم له بعض كتاب التشريح ، وجبرئيل يسميه الريّان ويبجّله!
ولم يزل أمر حُنين يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تظهر في التراجم والتفاسير حتّى صار عالماً علماً ، واتصل خبره بالمتوكل فأمر بإحضاره ، وأقطع له إقطاعاً حسناً وقرّر له جارياً جيّداً! ثمّ ظنّ به أن يكون ملك الروم قد عمل من خلاله حيلة عليه! فدعاه وأقطعه اقطاعاً يشتمل على خمسين ألف درهم وقال له : لنا عدو نريد قتله وليس يمكن اشتهاره فنريده سرّاً فأُريد أن تصف لي دواءً يقتل العدو! (هل كان للهادي عليهالسلام؟) فقال : إلّاأن أذهب فأتعلم ذلك! فهدّده وحبسه
__________________
(١) صيدلة معرّب عن الفارسية : ساييدنى : المساحيق.
(٢) باسم حرب حنين شماتة بالمسلمين؟!