وكاد أن يتم أمرهم ، فقام فيهم سليمان بن وهب الكاتب أو غيره وقال لهم : هذا إن أعطاكم بلسانه فنيّته فيكم غير هذا! فسيأتي عليكم ويفرّق جمعكم! فلمّا سمعوا هذا تراجعوا عن توافقهم ، وأخرجوا له خناجرهم. وأكثر حنقهم عليه من قتله بايكباك التركي في الحرب أو بضرب عنقه.
وكان في أوائلهم ابن عم لبايكباك كان سكران قد ارتوى يومئذٍ من الخمر ، فكان أول من جرحه بخنجره في أوداجه. قال المسعودي : وهذا هو أشهر ما ذُكر لنا في قتل المهتدي ، وقيل : قُتل خنقاً ، وقيل : كبُس عليه بالبُسط والوسائد حتى مات ، وقيل : شُدّ بالحبال بين لوحين عظيمين حتّى مات ، وقيل : عُصرت خصيتاه حتّى مات. ثمّ ندموا من ذلك وداروا به يبكون له وينوحون عليه! ولم يدخل في فعل الأتراك هذا صاحب الدار يارجوج التركي ولا موسى بن بُغا. وذلك في نصف رجب سنة (٢٥٦ ه) وله ١٧ ذكراً و ٦ بنات (١).
المهتدي وخبر عن علي عليهالسلام :
كان محمد بن علي الربعي من علماء أخبار الناس وأيامهم وحسَن المجلس ، فاتّخذه المهتدي ملازماً له حتى أنّه يبايته الليالي عنده ، فروى المسعودي عنه قال : سألني المهتدي ذات ليلة : أتعرف خبر نَوف (البكالي الكوفي) حين بايت علي بن أبي طالب؟ قلت له : نعم.
ذكر نوف قال : رأيت علياً رضى الله عنه ليلةً أكثر من الخروج والنظر إلى السماء ، وكنت رامقاً ، فقال لي : أنائم أنت يا نَوف؟ قلت له : بل ارمق بعيني منذ الليلة يا أمير المؤمنين. فقال لي : يا نَوف ، طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة!
__________________
(١) مروج الذهب ٤ : ٩٩ ، ١٠٠.