كتاب العهد للرضا عليهالسلام :
بسم الله الرحمنِ الرحيم ، هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين ، لعلي بن موسى بن جعفر وليّ عهده :
أما بعد ، فإنّ الله عزوجل اصطفى الإسلام ديناً واصطفى له من عباده رسلاً ، دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أولهم بآخرهم ويصدّق تاليهم ماضيهم.
حتّى انتهت نبوة الله إلى محمّد صلىاللهعليهوآله على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين وجعله شاهداً لهم ومُهيمناً عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي (لَايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (١)) بما أحلّ وحرّم ، ووعد وأوعد ، وحذّر وأنذر ، ونهى عنه وأمر ، لتكون له الحجة البالغة على خلقه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢)).
فبلّغ عن الله رسالته ، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، ثمّ بالجهاد والغلظة ، حتّى قبضه الله إليه واختار له ما عنده.
فلمّا انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلىاللهعليهوآله الوحي والرسالة ، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة ، وإتمامها وعزّها والقيام بحق الله تعالى فيها ، بالطاعة التي بها يُقام فرائض الله وحدوده ، وشرائع الإسلام وسننه ، ويجاهَد بها عدوّه!
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله ، وأمن السبيل ،
__________________
(١) فصلت : ٤٢.
(٢) الأنفال : ٤٢.