أسير من المسلمين في بلد الروم بغير دينار ولا درهم! وبين أن يعمّر لك كل ما خرّبته النصرانية من بلد للمسلمين فيردّه كما كان ، وترجع عن غزاتك هذه.
فقام المأمون ودخل خيمته فصلّى ركعتين ثمّ خرج فقال للرسول : قل له : أما قولك : تردّ عليَّ نفقتي فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابنا حاكياً عن بلقيس : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ* فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (١)).
وأما قولك : إنك تُخرج كل أسير من المسلمين في بلد الروم ، فما في يدك إلّا أحد رجلين : إما رجل طلب الدنيا فلا فكّ الله أسره ، وإما هو رجل طلب الله عزوجل والدار الآخرة فقد صار إلى ما أراد!
وأما قولك : إنك تعمِّر كل بلد للمسلمين خرّبته الروم. فلو أني قلعت أقصى حجر في بلاد الروم ما ساوى ذلك بامرأة عثرت عثرة في أسرها فقالت : وا محمداه! عُد إلى صاحبك ، فليس بيني وبينه إلّاالسيف!
ثمّ أمر بضرب الطبول والرحيل فرحل فلم ينثن عن غزاته هذه حتى فتح خمسة عشر حصناً ثمّ انصرف ، فنزل على عين البدندون المعروفة بالقُشيرة. فأقام هنالك حتى ترجع رسله من الحصون (٢).
علة المأمون وموته :
في قرية بدندون من بلاد ثغر الروم بينها وبين طرسوس يوم واحد ، وقف المأمون على منبع ماء العين وكان ماءً بارداً فأعجبه برده وصفاؤه ، وطيب حسن
__________________
(١) النمل : ٣٥ و ٣٦.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٤٥٥ ـ ٤٥٦.