حصونهم يقال له لؤلؤة فأقام عليه حيناً ، حتى بنى حواليه حصنين أنزل فيهما الرجال ، ثمّ قفل متوجهاً إلى قرية يقال لها سلَغَوس. وكان من أجلّ قوّاد المأمون عجيف بن عنبسة فخلّفه عليهم مع زاد سنتهم ، ومكر أصحاب حصن لؤلؤة بعجيف حتى أسروه ، وكاتبوا ملكهم توفيل بن ميخائيل فسار نحوهم ، فخرج إليه أصحاب الحصنين فهزموا ملكهم بغير قتال وظفروا بعسكره وحووا كل ما كان فيه. وبقي أهل لؤلؤة في حصارهم ، فلمّا أضرّ بهم الحصار قال رئيسهم لعجيف : أُخلّي سبيلك على أن تطلب لنا الأمان من المأمون ، فضمن لهم ذلك ، فطلب رهينة فجاء إليه بفرّاشَين نصرانيَّين على أنهما ابناه! فدفعهما عجيف إليهم وخرج ثمّ كتب إليهم أنهما نصارى منهم ؛ فكتب رئيسهم إليه : إنّ الوفاء حسن وهو في دينكم أحسن! فأخذ عجيف لهم الأمان من المأمون وأخرجهم منها وأسكنها المسلمين سنة (٢١٧ ه) (١).
حدّ القذف والتشهير لشتم الصحابة :
ومرّ أن القاضيَين يحيى بن أكثم وأحمد بن أبي دؤاد كانا في عسكر المأمون ، فكان القاضي في بغداد بشر بن الوليد الكندي. وبلغ المأمون أنّه قُدّم إليه رجل رفع عليه أنه شتم أبا بكر وعمر! فضربه حدّ القذف (ثمانين جلدة!) ثمّ أطافه على جمل يُشهر به! وذلك في شهر رمضان! (عام ٢١٧ ه) (٢).
ولمّا عاد المأمون إلى بغداد أحضره وأحضر الفقهاء فقال له : يا بشر!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٦٧.
(٢) ذكرها اليعقوبي ضمن حوادث (٢١٨) ولكن وفاة المأمون في جمادى (٢١٨) فهذه كانت لرمضان سابق.