إني قد نظرت في قضيّتك (على الرجل القارف) فوجدتك قد أخطأت فيه خمس عشرة خطيئة! يا بشر! بمَ أقمت «الحدّ» على هذا الرجل؟ قال : بشتم أبي بكر وعمر! قال : حضرك خصومه؟ قال : لا. قال : فوكّلوك؟ قال : لا. قال : فللحاكم أن يقيم حدّ القِرفة بغير حضور خصم؟! قال : لا. قال : فأُمهما كافرتان أو مسلمتان؟ قال : بل كافرتان. قال : فيقام في الكافرة حدّ المسلمة؟! قال : لا. قال : فهبك فعلت هذا بما يجب لأبي بكر وعمر من الحق ، أفشهد عندك شاهدا عدل؟ قال : قد زُكّي أحدهما! قال : فيقام الحدّ بغير شاهدين عدلين؟! قال : لا. قال : ثمّ أقمت الحدّ في رمضان ، فالحدود تُقام في شهر رمضان؟! قال : لا. قال : ثمّ جلدته وهو قائم ، فالمحدود يقام؟! قال : لا. قال : ثمّ شبحته بين العُقابين (خشبتي الفلقة) فالمحدود يشبّح؟! قال : لا. قال : ثمّ جلدته عرياناً! فالمحدود يُعرّى؟! قال : لا. قال : ثم حملته على جمل فأطفت به ، فالمحدود يطاف به؟! قال : لا. قال : ثمّ حبسته بعد الحدّ ، فالمحدود يُحبس بعد الحدّ؟! قال : لا. فقال المأمون : لا يراني الله أبوء باثمك وأُشاركك في جرمك! ثمّ قال لمن حضره : أحضروا المحدود ليأخذ حقه من بشر!
فقال له من حضر من الفقهاء : الحمد لله الذي جعلك عاملاً بحقوقه عارفاً بأحكامه ، تقول الحق وتأمر بالعدل وتعمل به وتؤدّب من رغب عنه ؛ يا أمير المؤمنين ؛ وإن هذا حاكم قد جدّ في رأيه وأخطأ ، فلا تفضح به الحكام وتهتك به القضاة!
فأمر المأمون بعزله وأن يُحبس في داره حتى يموت (١) كما حكم على ابن أكثم.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩.