المأمون إلى مصر ثانية :
وبلغ المأمون أنّ الذين يحاربون الأفشين بمصر من أهل الحوف والبشرود والبيما وهم قبط البشرود ، وهي من كور أسفل مصر ، قد اشتدت شوكتهم ، فزحف إليهم بنفسه لأول عام (٢١٧ ه) فقتلهم وسباهم.
وكان في مصر من تلامذة مالك الحارث بن مسكين فاستفتاه المأمون لسبي هؤلاء ، فقال : إن كانوا قد خرجوا لظلم نالهم فلا تحِل دماؤهم وأموالهم. فقال له المأمون : أنت تَيس (معْز) ومالك كان أتيس منك! هؤلاء كفار لهم ذمة ، إذا ظُلموا عليهم أن يتظلّموا للإمام ، وليس لهم أن يستنصروا بالكفار! ولا يسفكوا دماء المسلمين في ديارهم! ثمّ أخرج المأمون رؤساءهم فحملهم إلى بغداد.
هذا ومع المأمون في معسكره يحيى بن أكثم وأحمد بن أبي دؤاد ، وعلم المعتصم أنّ الساعي عليه والواشي به عند المأمون هو يحيى بن أكثم ، فحمل القائد محمد بن أبي العباس الطوسي أن يحمل أحمد بن أبي دؤاد على الوشاية على يحيى بن أكثم تقرباً إلى المعتصم! ففعلا ذلك ، وسخط المأمون على يحيى ، فأمر بنزع السواد عنه ونفيه من عسكره وإخراجه إلى منزله ببغداد لا يخرج منه! فأرسل كذلك (١) وبطلت سعايته ووشايته على المعتصم فخرج من بغداد إلى أخيه المأمون.
المأمون إلى الروم ثالثة :
وخرج المأمون من مصر في (٣) صفر سنة (٢١٧ ه) منصرفاً منه إلى دمشق ، فأقام أياماً ثمّ شخص إلى الثغر ، فعسكر في أدنة .. ثمّ صار إلى حصن من
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٦٦.