من المدينة إلى مرو مكرهاً :
مرّ الخبر عن الطبري أنّ محمّد بن جعفر الطالبي العلوي استسلم لأمان المأمون في العشرين من ذي الحجة عام (٢٠٠ ه) ، ويظهر من خبر الإربليّ عن الحميري أنّ الرضا عليهالسلام كان قد حجّ تلك السنة مستصحباً معه ابنه الجواد عليهالسلام ، وطاف طواف الوداع ثمّ صلّى عند المقام ، وطاف موفّق خادم الرضا عليهالسلام بالجواد على عنقه ثمّ صار إلى حِجر إسماعيل فجلس فيه وأبى أن يقوم ، فجاء موفق إلى أبي الحسن وقال له : جعلت فداك ، إنّ أبا جعفر قد جلس في الحِجر ويأبى أن يقوم ، فجاءه أبوه الإمام وقال له : قُم يا حبيبي! قال : ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا! قال : بلى يا حبيبي قُم! فقال : كيف أقوم وقد ودّعتَ البيت وداعاً لا ترجع إليه (١)!
ثمّ لمّا وصل الوفد المأموني إلى المدينة لحمل الرضا عليهالسلام إلى خراسان ، دخل المسجد النبوي ليودّع رسول الله صلىاللهعليهوآله فودّعه مراراً ، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب. وكان مخوّل السجستاني من شيعته حاضراً قال : فتقدمت إليه وسلّمت عليه فردّ عليَّ السلام وقال لي : زُرني فإنّني أخرج من جوار جدي فأموت في غربة وادفن إلى جنب هارون (٢).
ثمّ جمع عياله وفرّق فيهم اثني عشر ديناراً وقال لهم : أما إني لا أرجع إلى عيالي أبداً ، وأذن لهم أن يبكوا عليه حتّى يسمعهم (٣) تأكيداً على كراهيته وإكراهه.
__________________
(١) كشف الغمة ٣ : ٥١٤ عن دلائل الحميري.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢١٧ ، الحديث ٢٦.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢١٧ ، الحديث ٢٨.