أمر القاهر باختبار الأطبّاء :
في غضون هذين العامين من حكم القاهر (٣٢٠ ـ ٣٢٢ ه) مات رجل ببغداد بغلط جرى عليه من أحد المتطبّبين ، وكان القاهر مغتبطاً بطبيبه الخاصّ به سنان بن ثابت بن قُرّة الصابئي الحرّاني ، ولكثرة اغتباطه به أراده على الإسلام ، فامتنع امتناعاً شديداً وكثيراً ، فتهدّده القاهر فخافه سنان من شدة سطوته فأسلم. فاليوم أمر الخليفة بمنع سائر الأطباء من الطبابة إلّامن امتحنه سنان بن ثابت ، فصاروا إليه وامتحنهم ، وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح له أن يتصرّف فيه! حتى بلغ عددهم في جانبيّ بغداد إلى ثمنمئة وبضع وستين طبيباً سوى من كان في خدمة السلطان ومن كان غنياً عن ذلك بشهرة تقدّمه في ذلك.
وحضر لديه منهم رجل ذو هيبة ووقار مليح البشرة فأكرمه سنان بموجب منظره ، ثمّ التفت إليه وقال له : أشتهي أن يذكر الأُستاذ شيخه في الصناعة وأن أسمع منه شيئاً أحفظه عنه! فأخرج الشيخ من كُمّه إليه قرطاساً فيه شيء من الدنانير ووضعها بين يدي سنان وقال : والله ما أحسن أن أقرأ شيئاً في الجملة ولا أكتب ، ولكنّ لي عيالاً ومعاشي دائر ، فأسألك أن لا تقطعه عنّي!
فضحك سنان وقال : شريطة ١ ـ أن لا تهجم على مريض بما لا تعلم. ٢ ـ وأن لا تشير بفصد. ٣ ـ ولا بدواء مسهل. وإنما تعالج من الأمراض ما قرب. قال الشيخ : بل ما تعديت الجُلاب (ماء الورد) والسكنجبين (الخلّ المَغليّ بالسكّر). فرخّص له ، وانصرف.
وبعده جاءه شاب ذكيّ مليح الوجه حسن البزّة ، فقال له سنان : عَلى مَن قرأت الطبّ؟ قال : على أبي. قال : ومَن هو؟ قال : هو الشيخ الذي كان عندك بالأمس! قال : فأنت على مذهبه؟ قال : نعم. قال : فلا تتجاوزه