وأعطى لمعبّره شيئاً أيضاً ليحذّره في تعبير له من القاهر! وفعلا ذلك ، حتى اتفق هو مع أصحابه على خلع القاهر. وبلغ ذلك إلى الوزير (؟) فأرسل إلى عيسى طبيب القاهر وإلى حاجبه سلام ليُعلماه بذلك ، وكان القاهر قد أكثر تلك الليلة من شرب المسكر فوجداه نائماً فلم يقدرا على إعلامه. وهجم الجنود الساجيّون على الدار في منتصف العشر الأوائل من جمادى الأُولى وسمع القاهر أصواتهم وأخبر أنّهم محاصروه ففرّ إلى سطح حمّام داره فأخذوه وسألوه عن محبس أحمد بن المقتدر فدلّهم عليه ، فأخرجوه وأجلسوه على السرير ولقّبوه الراضي بالله وسلموا عليه بالخلافة ، وبايعوه وبايعه القوّاد والناس ، ورأى أخلاق ابن مقلة أليق بهذا الوقت فاستحضره واستوزره ، فأحسن إلى كل من أساء إليه وأحسن السيرة ، وكان ذلك في (٦ جمادى الأُولى ٣٢٢ ه) (١).
وزاد المسعودي : أنهم سملوا عينيه (٢) وفصل السيوطي قال : أرسلوا إلى أبي الحسين بن القاضي أبي عمر ، وأبي طالب بن البهلول ، والحسن بن أبي الشوارب الأُموي والقضاة فجاؤوا ، وأحضروا القاهر ، فقال له القضاة : ما تقول؟ قال : أنا أبو منصور محمد بن المعتضد ولي في أعناق الناس وفي أعناقكم بيعة! ولست أُبرئكم ولا احلّلكم منها! فقال الوزير (ابن مقلة) إنّ أفعاله مشهورة فهو يُخلع ولا نفكّر فيه. وقاموا. ودخل القاضي أبو الحسين على الراضي وأخبره بما جرى وقال له : إني أرى إمامته فرضاً! فقال له الراضي : انصرف ودعني وإياه. ودخل سيماء زعيم الجنود الساجيين وأشار على الراضي بسَمل عيني القاهر ، فرضي به ، فكحله بمسمار محمى حتى سال عيناه على خدّيه (٣).
__________________
(١) تاريخ مختصر الدول : ١٦١ و ١٦٢.
(٢) مروج الذهب ٤ : ٢٢٢ ، والتنبيه والإشراف : ٣٣٦ ، وابن الوردي ١ : ٢٥٦.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٥٠.