وإنه جعل إليَّ عهده ، والإمرة الكبرى إن بقيتُ بعده! فمن حلّ عقدة أمر الله تعالى بشدها ، وفصم عروة أحبّ الله إيثاقها ؛ فقد أباح حريمه وأحل محرَّمه ، إذ كان بذلك زارياً على الإمام منتهكاً حرمة الإسلام! بذلك جرى السالف منهم فصبر على الفلتات ولم يعترض بعدها على الغرامات ، خوفاً على شتات الدين واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ورصد المنافقين ، فرصة تُنتهز وبادرة تُبتدر! و (وَمَا أَدْري مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ (١)) ، (إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الْحَقَ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٢)).
فالخطبة إلى كونها إخطاراً بما يقع أقرب من كونها استبشاراً بما وقع ، واكتفى فيها الإمام من الثناء على الخليفة بأقل دعوة طفيفة ، دفعاً لحاضر الضرر أو مستحضر الشر.
بل نقل المفيد عن المدائني عن رجاله عن بعض من كان يختص بالرضا عليهالسلام ممّن حضره اليوم قال : كنت في ذلك اليوم بين يديه مستبشراً بما جرى ، ورآني فأومأ إليَّ أن ادنُ مني فدنوت منه فقال لي حيث لا يسمعه غيري : لا تُشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر به ؛ فإنه شيء لا يتم (٣).
وكان المأمون قد استوزر أو استكتب ابن عم الصولي : عمرو بن مسعدة فأمره المأمون أن يستكتب من الرضا عليهالسلام كتاباً في تقريظ المأمون ، قال : فأعلمته ذلك. فأطرق ملياً ثمّ قال : «يا عمرو ، إنّ من أخذه برسول الله صلىاللهعليهوآله لحقيق أن يعطى به» (٤) فلم يكتب له!
__________________
(١) الأحقاف : ٩.
(٢) الأنعام : ٥٧ ، والخبران في العيون : ١٤٦ ، الباب ٤٠ ، الحديث ١٩ و ١٧.
(٣) الإرشاد ٢ : ٢٦٣.
(٤) نثر الدر للآبي ١ : ٣٦١ ، ونحوه في العيون : ١٤٤ ، الباب ٤٠ ، الحديث ١١.