وعاذوا بالمسجد والبيت الحرام ، فأخذهم سيوفهم وعمّهم القتل! وهلك في بطون الأودية ورؤوس الجبال والبراري ضرّاً وعطشاً ما لا يدركه الإحصاء وقيل : بل ثلاثون ألفاً! وكان باب البيت الحرام مصفّحاً بالذهب فاقتلعوه ، وأخذوا كل ما كان في البيت من محاريب فضة وجزع ومعاليق ومناطق ذهب وفضة من زينة البيت ، وجرّدوا البيت ممّا كان عليه من الكسوة إلّاما أصابه دماء العائذين به ، واقتلعوا الحجر الأسود ، وأقاموا بمكة أُسبوعاً إلى منتصف ذي الحجة تقريباً يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشية يقتلون وينهبون.
والمسعودي منسوب إلى الصحابي عبد الله بن مسعود الهُذلي من بني هُذيل من القبائل بين مكة والمدينة ، فهو يقول :
عرض لهم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، في مضايقهم وشعابهم وجبالهم ، وحاربوهم حرباً شديدة بالنبل والخناجر! ومنعوهم من المسير ، فاشتبهت عليهم سُبلهم ثلاثة أيام بين الجبال والأودية ، حتى تخلّص كثير من النساء والرجال المأسورين بأيديهم ، واقتطع بنو هُذيل ممّا كان معهم أُلوفاً من الإبل وأثقالها ، وهي نحو من مئة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة. حتى أسروا من هذيل عبداً أسود فدلّهم على طريق سلكه فخرج بهم عن المضايق إلى بلدهم الإحساء (١)!
وقال ابن الوردي في توجيه أخذهم للحجر الأسود أنّ القرمطي قال : هذا مغناطيس بني آدم! فهو الذي يجرّهم إلى مكة. فنحوّل به الحجّ إلى الإحساء! وبذل لهم أمير بغداد خمسين ألف دينار لردّ الحجر فما قبلوا (٢).
__________________
(١) التنبيه والإشراف : ٣٣٤ ، ٣٣٥.
(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٥٢.