بني أُمية ، هديا وفضلاً وقصداً وديناً ، فصادف أقواماً لا يجوز عندهم أخلاق الدين ، ولا يريدون إلّاأمر الدنيا فسفكوا دمه (١).
وقال : كان المهتدي بالله ذهب في أمره إلى القصد والدين ، فقرّب العلماء ورفع منازل الفقهاء ، وعمّهم ببرّه. وقلّل من اللباس والفرش والمطعم والمشرب ، وأمر بإخراج أواني الذهب والفضة من الخزائن لتضرب دراهم ودنانير ، وعمد إلى الصور التي كانت في المجالس فمحاها. وذبح الكباش والديوك التي كان يناطَح بها بين يدي الخلفاء! وقتل السباع المحبوسة. ورفع بُسط الديباج وكل فرش لم ترد إباحته في الشرع. وكان الخلفاء قبله ينفقون لموائدهم كل يوم عشرة آلاف درهم! فهو جعل لسائر مؤونته كل يوم نحو مئة درهم! وكان يواصل الصيام. وكان ينام من الليل ساعة بعد العشاء الآخرة ثمّ يقوم فيلبس جبة صوف ويركع ويسجد إلى أن يدركه الصباح.
وكان يقول لبني العباس : يا بني هاشم! دعوني أسلك فيكم مسلك عمر بن عبد العزيز ، فأكون فيكم مثل عمر بن عبد العزيز في بني أُمية (٢).
وحكى السيوطي عن رجل كان عند المهتدي في عشية يوم من رمضان فدعاه أن يفطر معه ، فصلّى ثمّ دعا بطعامه فاتي بطبق فيه أرغفة خبز نقي رقاق وزيت وخل وملح! فقال له : ولِمَ هذا وقد أسبغ الله عليك نِعَمه؟! قال : الأمر كما وصفت ، ولكن كان في بني أُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشّف على ما بلغك ، فغِرتُ على بني هاشم (بني العباس) أن لا يكون فيهم مثله فأخذت نفسي بما ترى! (فهل يا ترى هذا من الدين في شيء؟!).
__________________
(١) التنبيه والإشراف : ٣١٨.
(٢) مروج الذهب ٤ : ١٠٣.