فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام من أحسن الناس وجهاً ، فناداهم : يا فلان ويا فلان! أجيبوا مولاكم! قالوا : أنت؟ قال : أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.
فساروا معه حتى دخلوا دار المولى الحسن عليهالسلام فإذا ولده سيدنا القائم قاعد على سرير ، وكأنه فلقة قمر! وعليه ثياب خُضر! فسلّموا عليه فردّ عليهمالسلام ثمّ قال لهم : جملة المال كذا وكذا ديناراً حَمّل فلان كذا ، وحَمّل فلان كذا ، حتى وصف كلّها ، ووصف ثيابهم ورحالهم ودوابَّهم!
فسجدوا شكراً لله لما عرّفهم وقبّلوا الأرض بين يديه وسألوه مسائل فأجابهم ، وحملوا إليه الأموال. فقال لهم : لا تحملوا بعدها شيئاً من المال إلى سامرّاء بل إنه ينصب لهم «ببغداد» رجلاً يحملون إليه المال وتخرج من عنده «التوقيعات».
ثمّ دفع إلى محمد بن جعفر الحميري القمي كفناً وحنوطاً وقال له : أعظم الله أجرك في نفسك!
فلمّا بلغ أبو العباس محمد الحميري عقبة همَدان توفي رحمهالله (١) فاختصر بل اختزل أبو الأديان هذا البيان كلّه في كلمات وأوهم أنها كانت يوم بل حين تشييع الجنازة والصلاة عليها ، وهو غير معقول تقريباً!
نقل الصدوق الخبر ثمّ علّق عليه قال : لماذا كفّ عمّا مع القوم من الأموال بل ودفع جعفراً الكذاب عن مطالبته إياهم ، ولم يأمرهم بتسليمها إليه؟!
وأجاب : إنّ هذا الخبر يدل على أنّ الخليفة (المعتمد) كان يعرف هذا الأمر من أين هو وكيف هو وأين موضعه! إلّاأنّه كان يحب أن يخفى هذا الأمر ولا ينتشر ، لئلّا يهتدى الناس إليه فيعرفونه. ثمّ نقل هنا آخر خبر ابن خاقان في
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٦ ـ ٤٧٨ ، الحديث ٢٦ ، الباب ٤٣.