مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ. وفينا موضعه ولنا فضله. ولو قد أذن الله عزوجل فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمة ؛ لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة ، ولأبان عن نفسه وقام بحجّته. ولكنّ أقدار الله لا تُغالَب وإرادته لا تُرد وتوفيقه لا يُسبق.
فليدَعوا عنهم اتّباع الهوى ، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ، ولا يبحثوا عمّا سُتر عنهم فيأثموا! ولا يكشفوا ستر الله عزوجل فيندموا. وليعلموا أنّ الحق معنا وفينا ، لا يقول ذلك سوانا إلّاكذّاب مفتر ، ولا يدعيه غيرنا إلّاضال غوي ، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير ، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله (١)!
وكان جعفر بن علي قد كتب إلى بعض الشيعة ببغداد كتاباً يعرّفه فيه بنفسه ويُعلمه أنّه القيّم بعد أخيه وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه بل وغير ذلك من كل العلوم! فحمله الشخص المكتوب إليه إلى الشيخ أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري وأعلمه بالكتاب وأراه إياه ، فقرأه ، ثمّ كتب إلى صاحب الزمان كتاباً وأدرج معه كتاب جعفر ، فخرج الجواب إليه كما يلي :
بسم الله الرحمنِ الرحيم ، أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذته في درْجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه .. والحمد لله رب العالمين حمداً لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا. أبى الله عزوجل للحق إلّاإتماماً وللباطل إلّاإزهاقاً ، وهو شاهد عليَّ بما أذكره ووليّ عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه وسُئلنا عمّا نحن فيه مختلفون.
إنه سبحانه لم يجعل لصاحب الكتاب (جعفر) على المكتوب إليه ولا عليك
__________________
(١) كمال الدين : ٥١٠ ، ٥١١ ، الحديث ٤٢.