فأصلح ما أفسده الزنوج وعاد إلى البصرة مُنازلاً لصاحب الزنج بها. وقد كان أتى بالبصرة في وقعة واحدة على قتل ثلاثمئة ألف منهم! واختفى كثير من الناس في الدور والآبار ، ويظهرون بالليل فيأخذون الكلاب فيذبحونها ويأكلونها ، والسنانير والفئران حتى أفنوها حتى لم يقدروا على شيء منها ، فكانوا إذا مات أحدهم أكلوه! ويراعى بعضهم موت بعض ، ومن قدر منهم على صاحبه قتله وأكله! وعدموا الماء العذب.
وذُكر عن امرأة منهم ، قال الراوي : كنا على مشرعة عيسى بن أبي حرب إذ رأينا امرأة تبكي ومعها رأس ، فقيل لها : ويحك ما لك تبكين؟ قالت : اجتمعوا على اختي فما تركوها تموت موتاً حسناً! حتى قطّعوها ثمّ لم يعطوني من لحمها شيئاً إلّارأسها هذا!
وبلغ من أمر عسكره : أنه كان ينادى فيه على المرأة من ولد الحسن والحسين عليهماالسلام ومن ولد العباس وغيره من ولد هاشم وقريش والعرب ، يُنادى عليها بنسبها : هذه ابنة فلان الفلاني ، وتُباع بالدرهمين والثلاثة! فلكل زنجي منهم العشرة والعشرون والثلاثون! يخدمنهم ونساءَهم الزنجيات.
وقد تكلم الناس في مقدار ما قَتل في سنيّ قتاله وحكمه (١٤ عاماً) فمكثّر ومقلّل ، وكلا الفريقين يقول في ذلك حدساً وظنّاً إذ كان شيئاً لا يدرك ولا يُضبط ، فالمكثّر يقول : إنه أفنى من الناس ما لا يدركه العدد ولا يقع عليه الإحصاء فلا يعلمه إلّاالله! ممّا أباد من أهل الضياع والأمصار والبلدان ، والمقلّل يقول : أفنى منهم خمسمئة ألف نفر (١)! ومنهم من يقول : إنّ ذلك كان ألف ألف (مليوناً) وأكثرهم يرى أنّ ذلك لا يحيط به الإحصاء ولا يحصره العدد كثرة وعِظماً!
__________________
(١) مروج الذهب ٤ : ١١٩ ، ١٢٠.