الأحباش فقاتلهم فقُتل وأسر كثير من أصحابه فسلبوهم وتركوهم حفاة عراة ، فكان الرجل منهم يبول في يده ويشربه أو يعجن به الرمل ويأكله حتّى أهلك العطش كثيراً منهم! ولحق من بقي منهم بعبد الله وجمعه وهم من العرى والشدة في أشدّ منهم! ومعه حُرمه ما يواريهن شيء! حتّى وافوا باب المندب ، فجمع لهم الناس شيئاً فأقاموا بها شهراً ثمّ خرجوا إلى مكة في صورة الحمّالين (١).
وإنّما فرّا وتبعهما الأربعة آلاف منهم لأن مروان كان قد صيّر الأمر بعده إلى ابنه الثاني عبد الله ثمّ الرابع عبيد الله (٢) وبكره عبد الملك وبه كان يكنّى والثالث محمّد (٣) فلم يولّهما شيئاً ولذا لم يتبعهما أحد. وفي عهد ابن طولون كان من كتابه بعض أعقابهما بفسطاط مصر يعرفون ببني المهاجر (٤).
مصير بنات مروان :
ثمّ وجّه عامر الحارثي المذحجي الأُسارى من بنات مروان وجواريه إلى صالح بن علي العباسي ، فلمّا ادخلن عليه قامت ابنته الكبرى فقالت له : يا عمَّ أمير المؤمنين. حفظ الله من أمرك ما يحب لك حفظه ، وأسعدك في الامور كلّها بخواص نعمه ، وعمّك بالعافية في الدنيا والآخرة. نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمّك! فليسعنا من عدلكم ما وسعكم من جورنا!
فأجابها صالح : إذن لا نستبقي منكم أحداً لا رجلاً ولا امرأة!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ وانظر التنبيه والإشراف : ٢٨٥.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٢٦٠ والتنبيه والإشراف : ٢٨٥.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٤٧.
(٤) التنبيه والإشراف : ٢٨٤.