وانصرف حماد البربري إلى صبّاح ، واستفرد فطلب الأمان فأسره ، وأسر ستمئة رجل من أصحاب الهيصم الهمْداني ووجّه بهم إلى الرشيد ، فقتلهم جميعاً! وصلب صبّاحاً والهيصم معاً (١).
الرشيد إلى مثواه البعيد :
في شعبان سنة (١٩٢ ه) خرج هارون يريد خراسان حتّى نزل في قرميسين (كرمانشاهان) في شهر رمضان فأقام وصام فأفطر بها ، ثمّ قصد الري فرآها في شهر ذي الحجة فضحّى بها ، ثمّ خرج منها إلى جرجان (گرگان) وقد اعتلّ فلم يصل قرية سناباد من طوس خراسان إلّاوهو شديد العلة (٢) في سنة (١٩٣ ه) فأرسل إلى طبيب فارسي هناك وأعدّ قوارير شتى وخلط قارورة مائه بينها ، فلمّا انتهى الطبيب إلى قارورته قال لهم : ليوص صاحب هذه القارورة فإنّه هالك! ولا بُرء له من هذه العلة! فلمّا سمعه الرشيد أنشد :
ما للطبيب يموت بالداء الذي |
|
قد كان يُبرئ مثلَه فيما مضى؟! |
إنّ الطبيب بطبّه ودوائه |
|
لا يستطيع دفاع محذور القضا |
ودعا بحمار يركبه فلمّا صار عليه لم يثبت على ظهره! فقال : أنزلوني ، صدق المُرجفون! ثمّ دعا بأكفان فاختار منها ما أراد ، ثمّ أمر بحفر قبره فلمّا حُفر اطّلع عليه وتلا قوله سبحانه : (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَه* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه (٣)) وقال : وا سوأتاه من رسول الله (٤)!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٢ ـ ٤١٣.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠.
(٣) الحاقة : ٢٨ ـ ٢٩ ، والخبر في مروج الذهب ٣ : ٣٦٦.
(٤) تاريخ ابن الوردي ١ : ٢٠٠.