وكأنّ المنصور كان يومئذ بالحيرة فروى الصدوق أنّه قال للصادق عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، ما بال الرجل من «شيعتكم» يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد حتّى يُعرف مذهبُه؟! وكأنه يريد التشديد والتأكيد على مزيد التقية. فقال عليهالسلام : ذلك من حلاوة الايمان في صدورهم يبدونه تبدّياً (١)!
تشيّع هشام لدى الإمام عليهالسلام :
هشام بن الحكم الكوفي بن يزيد الكندي مولاهم ، سبقه عمّه عمر بن يزيد على الصادق عليهالسلام فكان من شيعته. وفي عهد السفّاح في أوائل الدولة العباسية لمّا كانوا بالحيرة واستقدموا الصادق عليهالسلام إليها ، كان عمر بن يزيد مولى كندة الكوفة يتردّد عليه ، وعلم بذلك ابن أخيه هشام وطمع في مناظرة الإمام ، فسأل عمّه عمر أن يدخله معه عليه ليناظره! فوعده أن يستأذن له عليه ، واستأذنه فأذن له ، فخرج إليه وأعلمه أنّه قد أذن له.
فبادر هشام فاستأذن ودخل مع عمّه عمر على الإمام ، فلما تمكّن في مجلسه سأله الصادق عليهالسلام عن مسألة ، حار هشام فيها فسأل الإمام أن يؤجّله لجوابها فأجّله ، وخرج هشام يسعى في طلب الجواب أياماً ولم يقف عليه ، وعاد إلى الإمام فأخبره بها. ثمّ سأله عن مسائل أُخرى فيها فساد مذهبه وأصل عقيدته ، وكان يذهب في الدين مذهب الجهمية! فتحيّر هشام مرة أُخرى وخرج من عنده متحيراً مغتماً أياماً لا يفيق من حيرته!
ثمّ سأل هشام عمّه عمر أن يستأذن له على الإمام عليهالسلام ثالثة ، فدخل عمر عليه واستأذن له ، وكأن الإمام رأى أن الأصلح عدم إكثار تردده عليه فقال لعمّه
__________________
(١) انظر بحار الأنوار ٤٧ : ١٦٦ عن كتاب صفات الشيعة للشيخ الصدوق رحمهالله.