الروم وثغورهم :
في سنة (١٨٢ ه) ثار الروم على ملكهم قُسطنطين بن لاون فخلعوه وسملوا عينيه ، ولكنّهم ملّكوا امّه إيريني. وفي صيفها غزا المسلمون ثغورهم حتّى بلغوا مدينة أفسوس التي يدّعون أنّها مدينة أصحاب الكهف ، فكأ نّها حملت الملكة إيريني إلى الرشيد أموالاً لتردّ المسلمين عنها حتّى عام (١٨٧ ه) حيث خلعها الروم وملّكوا عليهم نيقيفور ، فكتب إلى الرشيد : من نيقيفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب! أما بعد ، فإنّ الملكة إيريني حملت إليك من أموالنا ما كنت أنت حقيقاً بحمل أضعافه إليها ، لكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن! فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما أخذت ، وإلّا فالسيف بيننا وبينك! فلمّا وصل كتابه إلى الرشيد وقرأه غضب وكتب بظهره : من هارون أمير المؤمنين إلى نيقيفور زعيم الروم ، قد قرأت كتابك ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه!
هذا والرشيد بالرَقّة ، فسار من يومه إلى ثغور الروم حتّى نزل على هِرقلة فأحرق وخرّب (١).
فسأله نيقيفور المصالحة على خراج يحمله كل سنة (٢) وعاد الرشيد إلى الرَقّة فنقض نيقيفور عهده ، فكرّ الرشيد بمشقة شديدة حتّى أناخ بديارهم فخضعوا فعاد عنهم (٣).
وأرسل عليهم في الصيف (١٨٨ ه) ابنه القاسم المؤتمن ومعه قوّاد من العباسيين ، فحاصروا حصوناً ، وأصابهم عوز وجوع ، وطلب نيقيفور
__________________
(١) مختصر تاريخ الدول : ١٢٩ وفي تواريخنا : إلى نيقيفور كلب الروم!
(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٩٩.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٤٦.