وقال : ثمّ بعث عمر وفداً إلى ملك الروم (أليون / لاون) في حقّ من مصالح المسلمين يدعوه إليه.
فدخلوا عليه أوّل يوم وهو جالس على سرير ملكه وعليه التاج ، والبطارقة عن يمينه وشماله ، وسائر الناس بين يديه على مراتبهم ، وله ترجمان يترجم له ويفسّر فأدى إليه ما قصدوا له.
فتلقّاهم بجميل وأجابهم بأحسن جواب ، وانصرفوا عنه في ذلك اليوم.
فلمّا كان الغد أتاهم رسوله يدعوهم ، فدخلوا عليه وإذا به ليس على سريره وبلا تاج على رأسه وكأنّه في كارثة ، وقال لهم : هل تدرون لماذا دعوتكم؟ قالوا : لا ، قال : إنّ صاحب مَسلحتي (المخفر الحدودي) التي تلي بلادكم جاءني كتابه الآن : بأنّ ملك العرب قد مات! فبكوا ، فسألهم : تبكون له أو لأنفسكم؟ قالوا : له ولأنفسنا. فقال لهم : لا تبكوا له وابكوا لأنفسكم ؛ فإنّه قد خرج إلى خير ممّا خلّف! فلقد كانت تأتيني أخباره ظاهراً وباطناً! فلم أجد أمره مع ربّه إلّا واحداً ، ولقد بلغني برّه وصدقه وفضله (١).
وهكذا أعلمهم استحكام استعلاماته عن المسلمين ظاهراً وباطناً! وسرعتها. والخبر هكذا مبتور عن مَن استخلفه بعده ، اللهمّ إلّاقوله : إنّ أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلّاقليلاً! فكأ نّه يشير إلى كونه أهل خير بين أهل شرّ قبله وبعده!
وعاد يزيد ، في يزيد الجديد :
حتّى في كنيته أبي خالد! وكان بنو امية قد أشاعوا غناء الإماء في الرحاب الطاهرة مكّة وطيبة! وحجّ يزيد بن عبد الملك على عهد أخيه سليمان ، وكان
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٦.