وحُشيت بالرمل والحصى! وبعث هرثمة زهير بن المسيب الضبّي من الجانب الشرقي فنزل الماطر نحو كلواذة ونزل في رَقّة كلواذه والجزيرة ونصب المنجنيقات على بغداد ، وأخذ يَعشر أموال التجار في السفن الواردة من الواسط والبصرة. وخيله على خيول فارهة وبجواشن ودروع وتجافيف وسواعد ورماح ودُرق «تبّتية» فانهزم العراة ثمّ تحاصروا وأخذتهم السيوف فقُتل منهم خلق كثير. وانحاز إلى جانب طاهر المحاربون الذين بباب الأنبار وباب الحرب وباب قُطربُل ، فتقدمت قوات طاهر إلى أوساط الجانب الغربي من بغداد وأعملوا المنجنيقات ، فكثر الحريق والهدم ببغداد والكرخ ، وأخذ الناس يتنقلون من موضع إلى موضع وقد عمّهم الخوف.
ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين أربعة عشر شهراً ، وضاقت بغداد بأهلها ، وتعطّلت المساجد وتُركت الصلوات ، وحوصر الأمين بقصره في الجانب الغربي ، وكانت في بعض الأيام وقائع تفانى فيها من الفريقين خلق كثير.
منها وقعة بشارع الرقيق هلك فيها خلق كثير وكثرت القتلى في الشوارع والطرقات ، وانتُهبت الدور ، والفوز لمن نجا بنفسه وبما يسلم معه إلى معسكر طاهر فيأمن على نفسه (١).
الوقائع الحاسمة :
تقدم طاهر وضايق القوم وأقبل يقتطع من بغداد الشارع بعد الشارع ويصير أهل تلك الناحية في حيّزه ومعاونين له في حربه ، وجعل يحفر الخنادق بينه وبين أصحاب الأمين وجنده وحاميته وهم العُراة أصحاب خوذ الخوص ودُرق
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٤٠٣ ـ ٤٠٥.