البواري كما مرّ ، وأصحاب طاهر في إقبال وقوة ، وأصحاب الأمين في إدبار ونقص ، وأصحاب طاهر يهدمون وأصحاب الأمين يأخذون من الدور الأبواب والأخشاب والثياب وينهبون المتاع ، وقطع الطاهر عنهم موادّ الأقوات القادمة من الطرق من الواسط والبصرة ، فكان رطل الخبز عندهم بدرهم وعند طاهر وأصحابه عشرون رطلاً بدرهم! فاشتدّ الجوع وضاقت النفوس وأيسوا من الفرج ، وتقدم طاهر في مواضع كثيرة ، واشتدّ القتال وعمل السيف والنار وتبادرت الرؤوس ، وفني خلق من العُراة أصحاب مِخلاة الحجارة والآجر (الطابوق أو القرميد) وخوذ الخوص ودرق الحُصُر والبواري ورماح القصب وأعلام الخِرق وبوقات القصب وقرون البقر!
وضاق الحال بالأمين واشتدّ به الحصار فأمر قائدَين من قوّاده ذُريح والهرش أن يتتبعا أصحاب الأموال والودائع والذخائر من المسلمين وغيرهم ، فاجتبيا بذلك أموالاً كثيرة ، وفرّ الأغنياء وهربوا بذريعة الحج. واشتدّ به الحال فباع ما في خزائنه سرّاً وفرقه أرزاقاً في من معه.
واجتمع هؤلاء العراة أصحاب الأمين يوماً فكانوا نحو «مئة ألف» برماحهم القصب ، ونفخوا في أبواقهم القصب وقرون البقر ، وزحفوا من مواضع كثيرة نحو قوات طاهر ، وبعث طاهر إليهم بعدد من قواده وأُمرائه في وجوه كثيرة ، وكثر القتل والقتال إلى الزوال على قوات طاهر ، ثمّ ظهر قواد المأمون على هؤلاء العراة بعد الزوال ، فغرق منهم واحرق وقُتل نحو «عشرة آلاف»!
والأمين باقٍ في مدينة المنصور ، فلمّا اشتدّ الأمر عليه شاور من حضره من خواصّه للنجاة بنفسه ، منهم السندي بن شاهَك ، فقال له بعضهم : تُكاتب طاهراً لعله يجيبك إلى ما تريد منه (١).
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٤٠٦ ـ ٤١٠.