عمر والشعر والشعراء :
كان الخلفاء قبل عمر قد عوّدوا الشعراء ومنهم جرير الخطفي ، يتعاهدونه بالجوائز والصلات : أربعة آلاف دينار وتوابعها من الحملان والكسوة! فقدم على عمر أوّل ما استخلف ، فرأى الناس من قريش وبني امية وغيرهم لا يدخلون ولا يصِلون ، حتّى قدم عون بن عبد الله الهُذلي وكان من خيار الناس وعبّادهم وعليه جبّة صوف (/ بداية التصوّف) وعمامة صوف قد أسدلها من خلفه ، فجعل يتخطّى رقاب الناس من قريش وبني امية وغيرهم ، لا يُمنع ولا يُحجب حتّى دخل على عمر وخرج.
فلمّا خرج توسّل به جرير بأبيات ، فعاد عون إلى عمر ليستأذن له وهو يخاف أن لا يسلم من هجوه! فلمّا علم عمر بذلك أذن له فأنشده شعره ، ثمّ قال له عمر : يا جرير ، ارفع إلينا حاجتك! فقال جرير : هي ما عوّدتني الخلفاء قبلك. قال : وما هي؟ قال : أربعة آلاف دينار وتوابعها من الحملان والكسوة! فقال عمر : أأنت من أبناء المهاجرين؟ قال : لا. قال : أفمن أبناء الأنصار؟ قال : لا. قال : أمن فقراء المسلمين؟ قال : نعم! قال : فأكتب لك إلى عامل بلدك أن يُجرى عليك ما يُجرى على فقرائهم! قال : أنا أرفع من هذا! فوصله بأربعة دنانير من نفقته الخاصّة! فقال : وأين تقع منّي هذه يا أمير المؤمنين! قال : إنّها من خالص مالي ولقد أجهدت لك نفسي!
فلمّا خرج سأله الناس : ما وراءك؟ قال : جئتكم من عند خليفة يعطي الفقراء ويمنع الشعراء (١).
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١١٦ ـ ١١٨. وجاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨٩ : أنّه خصّه من ماله بخمسين ديناراً! وفيه : ٢٨٢ : عن حلية الأولياء : أنّ نفقته كانت كلّ يوم درهمين!