وقال لهم : إني لُافارقكم بقلب موجع ونفس حزينة وحسرة عظيمة ، وإني محتال لنفسي ، فأسأل الله أن يلطف بي بمعونته!
ثمّ كتب إلى طاهر : أما بعد ، فإنك عبد مأمور تنصّحت فنصحت ، وحاربت فنُصرت ، وقد يُغلب الغالب ويُخذل المفلح. وقد رأيتُ الصلاح في معاونة أخي! والخروج إليه من هذا السلطان! إذ كان أولى به وأحق! فأعطني الأمان على نفسي وأُمي وجدتي وولدي وخدمي وحاشيتي وأنصاري وأعواني! حتّى أخرج إليك وأتبرّأ من هذا الأمر إلى أخي! فإن رأى لي الوفاء بأمانك ، وإلّا كان أولى وأحق!
فلمّا وصل كتابه إلى طاهر وقرأه قال : الآن لما ضيّق خناقه وانهزم فُسّاقه؟! لا والذي نفسي بيده حتّى يضع يده في يدي وينزل على حكمي!
فلمّا بلغه ذلك كتب إلى هرثمة يسأله النزول على حكم أمانه (١) وراسل هرثمة ، فوعده هرثمة بكل ما يحب ، وأ نّه يمنعه من كل من يريد قتله (٢) كان ذلك في حدود العشرين من المحرم سنة (١٩٨ ه).
مصير الأمين :
كان قد بقي مع الأمين أبناء الجند وفتيانهم نحو سبعة آلاف مقاتل ، وتوافقوا فيما بينهم ودخل عليه بعضهم فقالوا له : نحن سبعة آلاف رجل ، وفي اصطبلك سبعة آلاف فرس! وليس معك من ينصحك سوانا ، فتحمل كل واحد منا على فرس ونفتح أبواب المدينة (فهم يدخلون) ونحن نخرج في هذه الليلة ـ الخامسة والعشرين من المحرم ١٩٨ ه ـ ولا يُقدم علينا أحد إلى أن نأتي الجزيرة في ديار
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٣٩٩.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٤١١.