أحداث المهدي وبعض المحدّثين وحديثه :
كان العهد من السفّاح بعد المنصور لعيسى بن موسى العباسي ، فاشتراه منه المهديّ بعشرة آلاف درهم! فبايع لابنه موسى ثمّ لابنه هارون بعد موسى (١) وبسط يده في العطاء فأذهب كل ما خلّفه له أبوه المنصور وهو ستمئة ألف ألف (مليون) درهم وأربعة عشر ألف ألف (مليون) دينار! وقيل : إنّه فرّق في عشرة أيام من صلب ماله! عشرة آلاف ألف (مليون) درهم (٢).
وأظنّ أن الربيع لما أَطلق سفيان بن سعيد الثوري التميمي البصري من حبسه بعد المنصور ، أمره أن يأتي خليفته المهدي ببغداد فيسلّم عليه ، فأتاه ولكنّه لم يسلّم عليه بالخلافة بل سلّم تسليم العامّة! فأقبل المهدي عليه بوجه طلِق وقال له : يا سفيان! تفر منّا هاهنا وهاهنا تظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك؟! فقد قدرنا عليك الآن ، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا؟!
فقال سفيان : إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل! هذا والربيع قائم على رأس المهدي متكّئ على سيفه يرقب أمره! فقال له : يا أمير المؤمنين! ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟! ائذن لي أن أضرب عنقه! فقال المهدي : ما يريد هذا وأمثاله إلّاأن نقتلهم فنشقى بسعادتهم! ولكن اكتب له بالقضاء في الكوفة! فكتب عهده ودفعه إليه ، فأخذه وهرب فلم يوجد حتّى توفي بالبصرة سنة (١٦١ ه) (٣).
وكأنّه استدعى قاضي الكوفة السابق شريك بن عبد الله النخعي ليحدّث أولاد المهدي ويعلّمهم ، فأبى أولاً ، ثمّ لما أكل من مأكلهم قبل بذلك ، بل بلغ به
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٩٥.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٣١٢ ـ ٣١٣.
(٣) مروج الذهب ٣ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.