وكتب طاهر إلى المأمون كتاباً جاء فيه : أما بعد ، فإنّ المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللُّحمة ، فقد فرّق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة! لمفارقته عصمة الدين وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين ، قوله عزوجل : (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) ولا طاعة لأحد في معصية الله ، ولا قطيعة إذا ما كانت القطيعة في ذات الله. ثمّ بشره بانتصاره عليه. وكتب كتاباً آخر يشرح له خبره منذ شخص من خراسان في بلد بعد بلد ويوم بعد يوم (١).
وأمر المأمون بنصب الرأس على خشبة في صحن داره بمرو ، وأمر بإعطاء أرزاق جنوده شريطة لعن الأمين ، وبايعوه البيعة العامة. ثمّ أمر بتطييب الرأس وجعله في سفط وردّه ليدفن إلى جسده (٢).
ثمّ أرسل طاهر بابني الأمين موسى وعبد الله إلى المأمون ، وأبطأ أرزاق جنده فثاروا عليه وأحرقوا باب البستان الذي هو فيه ، وكأنّه لم يجد لهم شيئاً في خزائن الأمين ، ثمّ اعتذر إليه قوّاده ، فاستدان لهم من سعيد بن مالك من مشايخ بغداد عشرين ألف دينار وقال له سعيد : هي صلة لك ، فأمر لجنده برزق أربعة أشهر (٣).
المأمون وابنا سهل :
كانت تلك الانتصارات للمأمون بالعمدة على يد طاهر بن الحسين مولى الخزاعيين حلفاء الهاشميين ثمّ العباسيين منهم ، وقد مرّ أنّ بدايتها كان انتصاره
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٤٢.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٤١٤.
(٣) تاريخ الطبري ٨ : ٤٩٧.