ولذا كان الإمام عليهالسلام يكتفي في لقاء المنصور بالأقل ، فكتب إليه المنصور : لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له! ولا أنت في نعمة فنهنئك ولا تراها نقمة فنعزّيك بها! فما نصنع عندك؟!
فكتب المنصور إليه : تصحبنا لتنصحنا! فأجابه : «من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك».
فلمّا جاء جواب الإمام قال : والله لقد ميّز لي منازل الناس من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة ، وإنّه ممن يريد الآخرة لا الدنيا (١) فلعلّ هذا كان من التأمين للمنصور لكي لا يلاحق الإمام عليهالسلام.
أراد المنصور نصرة فقه مالك :
مرّ الخبر أنّ الصادق عليهالسلام كان يقول لزوّاره من الحُجّاج في الموسم : أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة. أي قلّة من يزوره منهم.
وممن كان يزوره من فقائهم مالك بن أنس الأصبحي ، وحتّى آمن بدينه وعلمه وعبادته وورعه حتّى كان يقول : ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد علماً وعبادة وورعاً (٢)!
وقال : ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وورعاً وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إما صائماً وإمّا قائماً وإمّا ذاكراً! وكان
__________________
(١) التذكرة الحمدونية ١ : ١١٣ ، الحديث ٢٣٠ ، وعنه في كشف الغمة ٣ : ٢٥٠ وبهامشه مصادر اخرى. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٢٦ نسب القول إلى مقاتل بن سليمان!
(٢) تهذيب التهذيب ٢ : ٨٩ ، الحديث ١٥٦ ومناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٦٩.