من عظماء البلاد وأكابر الزهّاد الذين يخشون ربّهم ، وكان كثير الحديث طيّب المجالسة كثير الفوائد. فإذا قال : قال رسول الله ، اخضرّ مرّة واصفرّ أُخرى حتّى لينكره من لا يعرفه (١). فهو يعترف بشرف الصادق عليهالسلام في العلم ، فهو أعلم منه.
إلّاأ نّه لم يردّ بذلك على المنصور لما أمره أن يضع للناس كتاباً يحملهم الخليفة عليه وقال له : ضعه فما أحد اليوم أعلم منك (٢)!
وممّا جاء في ذلك : أنّ المنصور لما حجّ وقد وضع مالك بعض كتابه ورأى بعضه المنصور ـ فلعلّه في حُجة لاحقة ـ أحضره وقال له : قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي صنّفتها ، فتنسخ ، ثمّ أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وآمرهم بأن يعملوا بما فيه ولا يتعدوه إلى غيره!
فقال له : يا أمير المؤمنين! لا تفعل هذا ؛ فإنّ الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم واتوا به ، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم (٣).
فالمنصور ـ أولاً ـ حاكم نظامي كسائر الحكام النظاميين ، شهد اختلاف الفقهاء على عهده ، فما أحبّ ذلك الضجيج الذي أثاروه بجدالهم ونقاشهم ، وذهاب كل فريق منهم مذهباً يخالف الآخر وتمسكه بمذهبه بحيث يراه الوحيد الجدير بأن يتّبع ، ويرى غيره باطلاً أو فاسداً مفسداً!
وثانياً : يهمّه أن يتوحد الناس في مملكته تحت قانون واحد يؤخذ به قاصيهم ودانيهم ، ويُعمل به في كل ناحية من نواحي هذه المملكة الواسعة.
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٩٧.
(٢) الزرقاني في مقدمته لشرحه لموطّأ مالك ١ : ٨ ، وانظر الإمام الصادق لأسد حيدر ١ : ٢٢٩.
(٣) حجة الله البالغة للدهلوي : ٤٥.