وثالثاً : أراد أن يخالف سنة أسلافه الامويين الذين كانوا لا ينظرون إلى أهل المدينة نظر المطمئن إلى ولائهم لدولتهم وسلطانهم ، وقد بهره ما رآه في كتاب هذا الفقيه من دار الهجرة من العلم المستمد من الرواية عن النبي وأصحابه! فأراد أن يتقرّب إليهم بتقرّبه إلى فقيههم.
ورابعاً : لا يرغب بل يحذر أن يكون هذا الفقيه منهم من آل علي عليهالسلام ، بل رغب في الحدّ من نفوذهم بصرف الناس عن فقههم إلى فقه من قد أقرّ لهم بالأعلمية ، فيصرفه عن ذلك.
إلّاأنهم رووا : أنّ المنصور حين سمع مقالة مالك أكبره وشكره ودعا له بالتوفيق (١).
ويبدو أنّ ذلك كان بعد أن عدل عما قاله أخوه السفّاح في أوّل خطبة له من تفضيل علي عليهالسلام إلى غيره ، وجرّب مالكاً عليه : كما أخرج السيوطي عن ابن عساكر عن مالك قال : دخلت على المنصور فسألني : من أفضل الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قلت : أبو بكر وعمر! قال : أصبت! فهذا رأي أمير المؤمنين!
وصرف في خطبته على منبر عرفة في يوم عرفة آية إكمال الدين عن علي أمير المؤمنين قال : أيها الناس! ارغبوا إلى الله وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... (٢)).
ويبدو أنّه كذلك صرف «أهل البيت» أيضاً عن آل علي إلى آل العباس لما روى لابنه الذي سمّاه محمّداً ولقّبه بالمهدي : عن أبيه عن جدّه ابن العباس
__________________
(١) انظر مقدمة القمي للروضة البهية ١ : و ، ز ، ط القاهرة.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣١٩.