وكان عيسى العباسي قد جعل عيوناً على الكاظم عليهالسلام يرفعون عنه إليه ، فرفع بعضُهم إليه : أنّه يسمعه يقول في دعائه كثيراً : اللهمّ إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك ، وقد فعلت ، اللهمّ فلك الحمد (١) فباشر عيسى العباسي ذلك بنفسه يتسمّع إليه في دعواته لعلّه يدعو على الرشيد أو على عيسى ، فما يسمع منه إلّا أنّه يدعو لنفسه بالرحمة والمغفرة.
فكتب عيسى إلى الرشيد : «إنّي قد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتّى إني لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلّالنفسه يسأل الله الرحمة والمغفرة ، فخذه منّي وسلّمه إلى من شئت ، وإلّا خلّيت سبيله!». فوجّه الرشيد إلى البصرة من تسلّمه منه إلى بغداد ، وأمر حاجبه الفضل بن الربيع بحبسه عنده فحبسه عنده.
وبعد مدّة طويلة أمره الرشيد بشيء في شأن الكاظم عليهالسلام فأبى الفضل ذلك! فأمره أن يسلّمه إلى الفضل بن يحيى (البرمكي) وأمر البرمكي أن يتسلّمه منه فيحبسه عنده ، فتسلّمه منه وحبسه عنده (٢).
الكاظم عليهالسلام في سجون بغداد :
حدثت بين أهالي دمشق عصبية وهاجت وتفاقم أمرها واغتنمها لصوصهم ، وبلغ ذلك إلى الرشيد فاغتمّ بذلك وقال لجعفر البرمكي : إمّا أن أخرج أنا أو تخرج أنت؟ قال جعفر : بل أقيك بنفسي! ثمّ شخص في جلّة القوّاد والسلاح
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٠.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٣٣٥ ، وعنه المفيد في الإرشاد ٢ : ٢٤٠ وزاد : وجعله في حجرة من داره وعليه رصد ، فكان عليهالسلام في أكثر أيامه صائماً ويحيي الليل كلّه اجتهاداً بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن ، ولا يصرف وجهه عن القبلة ، فأكرمه الفضل بن يحيى ووسّع عليه.