فحمل الرشيدَ منصرفه من مكة إلى البصرة لينظر إلى نهره سيحان ويفتتحه ، فقدمها في (أوائل) المحرم سنة (١٨٠ ه) ونزل قصر عيسى العباسي بالخُريبة ، ثمّ ركب إلى الأنهار وأمر بسدّ أفواه نهرَي معقل والابُلّة ليجري الماء إلى سَيحان ويستحكم أمرُه ونظر إليه.
وفي اليوم الثاني والعشرين من المحرم شخص عن البصرة فقدم بغداد.
ثمّ بدا له أن يعود بالعاصمة إلى عاصمتهم الأُولى الحيرة فشخص إليها ، وأقطع لمن معه قِطعاً منها ، وسكنها وأخذوا يبنون بها المنازل حتّى أربعين يوماً ، إذ بدا له سوء مجاورة أهل الكوفة له! فعاد إلى بغداد (١).
وفي بعض أيامه بالحيرة خرج إلى جهة النجف يتصيّد فرأى ضِباءً فأرسل عليها الصقور والكلاب ، فجاولتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلى أكَمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، فلما هبطت الظباء من الأكمة عادت عليها الكلاب والصقور فعادت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، وتكرر ذلك مرة أُخرى! فأمر الرشيد أن يُحضروا له من الكوفة من يكون له علم بالأكَمة ، فأتوه بشيخ كبير من بني أسد فقال : كان آبائي يقولون هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب عليهالسلام فنزل هارون وتوضأ وصلّى عند الأكمة ، ثمّ أمر أن يُبنى عليها بناء مربع في كل جهة باب (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٧ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.
(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٤٣٥ ، ٤٣٦ وفيه : أنّ هذا البناء من أوائل عام (١٨٠ ه) بقي إلى أيام السلطان عضد الدولة البويهي حيث أزالها وعمّر بمكانها عمارة جليلة بأموال كثيرة وبمدة تقرب من سنة! أقام بعساكره بذلك الطرف حتى أُقيم بناؤه ، ثمّ عاد إلى بغداد. وأظن قوياً أن الرشيد هو الذي أقام بناء على قبر جدّه العباس وبقربه قبر فاطمة بنت أسد وقبور أبنائها أئمة البقيع. ولعلّه لذا بقي قبره معروفاً بقبّته بطوس خراسان.