وكان أبيض أصفر أحول ، رَبعة البدن ، شكس الأخلاق خشن الجانب ، لا يغيب عنه شيء من أمر مملكته ويباشر الامور بنفسه ، جامعاً للأموال قليل البذل للسؤال (١) فسلك الناس جميعاً في أيامه مذهبه ، فمنعوا ما في أيديهم ، وقلّ الإفضال ، وانقطع الرفد ، فلم يُر زمان أصعب من زمانه! ومع ذلك استجاد الكساء والفرش ، وفي أيّامه عُملت قطفُ الخزّ. واستجاد الخيل ، وأقام حلبات السباق بها ، فاجتمع له فيها من خيله وغيرها أربعة آلاف فرس ، حتّى ذكر الشعراء ذلك في شعرهم ، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس! إلّاأ نّه عمّر الأرض ، واتّخذ في طرق مكّة القنوات والبُرك (٢).
وقد مرّ الخبر أن يزيد بن عبد الملك أراد خلع أخيه هشام عن العهد لما بعده ، فأقنعه خالد بن عبد الله القسري البجلي اليماني الشامي بأن يقدّم ابنه الوليد ويجعل العهد بعده لهشام ، ففعل ذلك. فاليوم عزل هشام أخاه مَسلمة بن عبد الملك عن العراقَين وولّاها خالد القسري باليد التي كانت له عنده (٣) فولّى أخاه أسدَ بن عبد الله القَسري على خراسان في شهر ربيع الآخر من سنة (١٠٦ ه) ثمّ حجّ هشام فمات طاووس بن كيسان اليماني فصلّى عليه هشام قبل الموقف (٤) وكان معه أخوه مَسلمة بن عبد الملك.
هشام والباقر عليهالسلام في المسجد الحرام :
مرّ الخبر عن حجّ هشام على عهد أبيه عبد الملك متزامناً مع حجّ الإمام
__________________
(١) التنبيه والإشراف : ٢٧٩.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٢٠٥ وقال : وأزال آثارها داوود بن علي العباسي في صدر دولتهم!
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣١٣ ـ ٣١٤ و ٣١٦. أي في مقابل نعمته ومنّته عليه.
(٤) تاريخ خليفة : ٢١٦ ـ ٢١٧.