تسليط الثقفي لتسقيط القسري :
لمّا دخلت سنة العشرين بعد المئة للهجرة بلغت عن خالد إلى هشام أُمور أنكرها ، منها : أنّه فرّق في من أراد مبلغ ستة وثلاثين ألف ألف (مليون) درهم! فاستعظمها. ومنها : أنّ خالداً كأنه سمع قائلاً يشير إلى تشريفه ببني امية فقال : ما زادت امية في شرف قَسر (قبيلته) إلّاهكذا! وجمع بين إصبعيه!
فلمّا بلغ هشاماً ذلك كتب إليه : «أمّا بعد ؛ فقد بلغني مقالتك ؛ وإنّما أنت من بَجيلة ، الحقيرة الذليلة! وستعلم ـ يابن النصرانية ـ أنّ الذي رفعك سيضعك»!
وكان الناظر في أُمور خالد : حسّان النبطي فاستحضره هشام وحلف له بالله الذي لا إله إلّاهو ليصدقنّه أو ليقتلنّه! فأتاه حسّان بصناديق وقائع على خالد وفيها : أنّه فرّق فيمن أراد ستة وثلاثين ألف ألف درهم! فاستعظمها هشام.
وكان عامل هشام على اليمن يوسف بن عمر الثقفي ، فكتب إليه هشام كتاباً بخطّ يده لم يُطلع عليه أحداً يأمره بالنفوذ إلى العراق ساتراً خبره حتّى يقدمها ، فيقبض على خالد وأصحابه ، فيأخذه بستة وثلاثين ألف ألف درهم.
فاستخلص يوسف سبعة نفر واستسرّ أمرهم حتّى قدم بهم العراق سنة (١٢٠ ه) عشيّة قبل صلاة العشاء. وخلّف على رحالهم اثنين وصار إلى المسجد الجامع في خمسة نفر وقف بهم قبال المحراب ، فلمّا اقيمت الصلاة تقدّم خالد ليصلّي ، فتقدم إليه يوسف فأخرجه من المحراب وتقدّم وأحرم وقرأ بعد الفاتحة الواقعة ، وفي الثانية بعد الفاتحة : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» (١) ثمّ أقبل على الناس بوجهه فعرّفهم نفسه (٢) وقرأ عليهم كتاب هشام إليه ، ودخل هو وأصحابه
__________________
(١) يلاحظ أنّه أتمّ السورتين ولم يكتفِ ببعضها.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.